فلا تسألينى واسألى عن خليقتى ... إذا ردّ عافى القدر من يستعيرها (١)
أراد أنه أطلق عافى القدر على المرق الذى يتأخر فيها، وإنما هى حقيقة فى المستعير؛ لأن عافى القدر هو المستعير الراد. (قلت): كذا قال الجوهرى يقال: عفوت القدر إذا تركت فيها شيئا، لكن قال ابن سيده فى المحكم: عافى القدر ما يبقيه فيها المستعير من المرق وأنشد البيت.
(تنبيه): عرف صاحب المفتاح الحقيقة العقلية بقوله: هو الكلام المفاد به ما عند المتكلم من الحكم فيه، وعرف المجاز العقلى بقوله: هو الكلام المفاد به خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه، لضرب من التأول إفادة للخلاف، لا بواسطة وضع، وقال: إنما قلت ما عند المتكلم من الحكم دون أن أقول ما عند العقل، وفى الثانى خلاف ما عند المتكلم دون أن أقول خلاف ما عند العقل، ليتناول الأول كلام الجاهل، حيث عد منه حقيقة، مع أنه غير مفيد لما فى العقل من الحكم فيه، ولا يدخل هذا الكلام فى الثانى، فإنه لا يسمى كلام ذلك مجازا، وإن كان بخلاف العقل فى نفس الأمر، ولئلا يمتنع عكس الثانى، بمثل:(كسا الخليفة الكعبة) فإنه لا يمتنع أن يكسو الخليفة نفسه الكعبة، ولا يقدح ذلك فى كونه فى المجاز العقلى. قال المصنف فى كلامه: هذا نظر، أما فى الأول؛ فلأنه غير مطرد لصدقه على ما لم يكن المسند فيه فعلا، ولا متصلا به، مثل: الإنسان حيوان، مع كونه لا يسمى حقيقة، ولا مجازا. ولا منعكس، لخروج ما يطابق الواقع دون اعتقاد المتكلم، وما لا يطابق شيئا منهما مع كونهما حقيقتين عقليتين.
(قلت): أما السؤال الأول فممنوع، ولا شك أن الإسناد فى زيد حيوان حقيقة، بخلاف ما قاله المصنف، وهو مقتضى كلام عبد القاهر، حيث حدها بما يقتضى دخول مثل ذلك، كما تقدم، والثانى صحيح، إلا أن يحمل على أن مراده بما عند المتكلم، ما يدل لفظه عليه مع عدم القرينة الصارفة عنه، وقد ذكر فى الإيضاح اعتراضات على
(١) البيت من الطويل، ويروى (ما خليقتى)، وهو لمضرس الأسدى، فى لسان العرب (عفا) وتاج العروس (عفا)، وللكميت فى أساس البلاغة (عفو)، وليس فى ديوانه، وبلا نسبة فى الإيضاح ص ٢٧ بتحقيقنا، وص ٢٢ ط. وعزاه المحقق لعوف بن الأحوص من قصيدة له فى المفضليات.