قوله: إنه يلزم أن يكون المراد بعيشة فى قوله: عِيشَةٍ راضِيَةٍ (١) صاحبها فليس كذلك، بل لنا فى تصحيح كلامه طريقان:
إحداهما: أن راضية فى معنى الصفة الجارية على غير من هى له فى المعنى، لا من حيث الصناعة، كأنه قال: راض صاحبها، لا على أحد التقادير السابقة، فإن ذلك تقدير لفظى، وهذا معنوى، فإنا نجعل الإسناد إلى ضمير العيشة، وهى صفة جارية فى اللفظ على العيشة، وفى المعنى على صاحبها، والمعنى فى عيشة رضى صاحبها، فضمير راضية يعود على العيشة، وهو استعارة بالكناية، والمسند وهو اسم الفاعل استعارة تخييلية، قارنت المكنية، فإن قلت: كان السكاكى مستغنيا عن هذا بأن يجعل الإسناد إلى صاحبها الحقيقى، كما هو أحد التقادير السابقة، ولا حاجة إلى الاستعارة بالكناية، قلت: تفوت المبالغة المقصودة.
الثانية: أنه يلتزم ما ذكره المصنف، وأن المراد بعيشة صاحبها، ولا يلزم أن يكون الشئ فى نفسه، ويجعل العيشة وضميرها المستتر فى راضية، أريد بهما صاحب العيشة، فتكون العيشة استعارة بالكناية، والمسند فى راضية استعارة تخييلية، ولا بدع أن يكون صاحب العيشة الحقيقى فى صاحبها المجازى على سبيل الاستعارة للمبالغة، فإن قلت:
المصنف لا يرى أن الاستعارة بالكناية أريد بها غير موضوع اللفظ، فكيف يقول: يلزم السكاكى أن يكون المراد بعيشة صاحبها؟ قلت: ألزمه برأيه؛ لأن السكاكى يرى أن الاستعارة بالكناية مجاز، بإطلاق لفظ المشبه، وإرادة المشبه به، مدعيا أن المشبه به فرد من أفراد المشبه، وقد خبط كثير من الناس فى هذا المكان، والتحقيق ما قلناه، والله تعالى أعلم. على أن الجزرى اعترض عليه فى إلزامه أن المراد بعيشة صاحبها، بأن قال:
يلزم ذلك، فإن الزمخشرى ذكره، وهو وهم؛ لأن التزام ذلك التزام للمحال، إذ يلزم أن يكون الشئ فى نفسه، ولا يصح التزام ذلك إلا بالطريق التى ذكرناها، والزمخشرى لم يذكر أن المراد بعيشة صاحبها، بل أن المراد براضية صاحبها، وبينهما فرق، وأما قوله: إنه يلزم أن يكون المراد (بماء دافق) فاعل الدفق فلا يلزم، بل يحتمل ما سبق، وأما قوله: إنه يلزم عدم صحة الإضافة فى نحو: (نهاره صائم) إذ يصير من باب