للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نكرة قوله صلّى الله عليه وسلّم:" التائب من الذنب كمن لا ذنب له" (١) فالمراد التائب من كل ذنب كمن لا ذنب له،

ولا يستقيم أن يراد التائب من ذنب ما كمن لا ذنب له، إلا أن يراد بالذنب الثانى الخصوص فحاصله أنه لا بد من تساويهما عموما وخصوصا فى هذا المثال، وقوله تعالى: فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ (٢) بعد قوله تعالى: قالَتْ إِحْداهُما (٣) يحتمل أن تكون الأولى هى الثانية وأن لا تكون، وقد تقوم قرينة على أن الثانى غير الأول كقوله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ (٤)، وكذلك قوله تعالى: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ (٥)، وأما قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ (٦)، فليس الجواب عنه ما قاله الطيبى بل إن إله بمعنى معبود، والاسم المشتق إنما يقصد به ما تضمنه من الصفة فأنت إذا قلت: زيد ضارب عمر، أو ضارب بكر، ألا يتخيل أن الثانى هو الأول، وإن أخبر بهما عن ذات واحدة، فإن المذكور بالحقيقة إنما هو الضربان لا الضاربان، ولا شك أن الضربين مختلفان، ومن أمثلة إعادة المعرفة نكرة وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ هُدىً (٧) قال الزمخشرى:

المراد بالهدى جميع ما آتاه من الدين والمعجزات والشرائع وبهدى الإرشاد، وأنشد فى الأساس:

دع عنك سلمى قد أتى الدّهر دونها ... وليس على دهر لشئ معوّل (٨)

ومنه: (إذا الناس ناس والزمان زمان) ومما نحن فيه قوله صلّى الله عليه وسلّم:" لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" (٩)، قيل: الثانى غير الأول، وإنما هو مصدر بمعنى الفاعل؛ أى الله هو الدهر المتصرف، وقال الراغب: معناه الله فاعل ما يضاف إلى الدهر، فإذا سببتم الذى تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد سببتم الله تعالى، والحق أن المراد لا تسبوا الفاعل الحقيقى


(١) " ضعيف" وراجع الضعيفة (ح ٦١٥، ٦١٦).
(٢) سورة القصص: ٢٥.
(٣) سورة القصص: ٢٦.
(٤) سورة الروم: ٥٥.
(٥) سورة النساء: ١٥٣.
(٦) سورة الزخرف: ٨٤.
(٧) سورة غافر: ٥٣.
(٨) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى كتاب العين ٢/ ٢٤٨، ١٣٨، وأساس البلاغة (عول).
(٩) بهذا اللفظ أخرجه مسلم فى:" الألفاظ من الأدب وغيرها"، باب: النهى عن سب الدهر (ح ٢٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>