للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكون الأول ليجئ الثانى بعده بعد تقديم التسليم، وأما الجواب عن الإشكال الثانى، فهو أنا نقول: أصل الكلام على الوجه الأول: أن تذكر إحداهما الأخرى عند ضلالها، فقدم على ما ذكرناه، فبقى أن تذكر إحداهما الأخرى على ما كان عليه. الثانى هو أن لا يستقيم فى المعنى إلا كذلك، ألا ترى أنه إذا قال: أن تضل إحداهما فتذكرها الأخرى،

وجب أن يكون ضمير المفعول عائدا على الضالة متعينا لها كما إذا قلت: جاءنى رجلا وضربته، يتعين أن يكون الجائى هو المضروب وذلك مخل بالمعنى المقصود، لأنها قد تكون الضالة الآن فى الشهادة وهى الذاكرة فيها فى زمان آخر، فالمذكرة هى الضالة فإذا قيل: فتذكرها الأخرى لم يفد ذلك لتعين عود الضمير إلى الضالة، وإذا قيل: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى كان مبهما فى كل واحدة منهما، فلو ضلت إحداهما الآن وذكرتها الأخرى، فذكرت كان داخلا ثم لو انعكس الأمر والشهادة بعينها فى وقت آخر اندرج أيضا تحته لوقوع قوله: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى غير معين، ولو قيل:

فتذكرها الأخرى، لم يستقم أن يكون مندرجا تحته إلا التقدير الأول، فعلم أن العلة هى التذكير من إحداهما الأخرى كيفما قدر، وإن اختلف وهذا المعنى لا يفيده إلا ما ذكرناه، فوجب لذلك أن يقال: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى، وهذا الوجه الثانى هو الذى يصلح أن يكون جاريا على الوجهين المذكورين أو لا، وأنه فى التحقيق هو الذى وجب لأجله مجيئهما ظاهرين، وأما الوجه الذى قبله فلا يستقيم إلا على التقدير الأول، لأن التقدير الثانى جعل الضلال هو العلة، فلا يستقيم مع ذلك أن يقال: إن أصل الكلام (أن تذكر إحداهما الأخرى) عند ضلالها مع القول بأن الضلال هو العلة. فثبت مما ذكرناه من المعنى الصحيح وجوب مجئ الآية على ما هى عليه، وأنه لو غير إلى المضمر اختل المعنى المقصود، واختص ببعضه. اه. وفى بعضه نظر، والسؤال الذى ذكره أولا، وما أجاب به عنه من أن المعطوف عليه ذكر للتوطئة، ثم عطف عليه المقصود يأتيان فى قوله تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ (١) وقوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً (٢) فإن إيتاء الله الكتاب لم يقصد نفيه، وكونهم كانوا أعداء لم يقصد عده من النعمة، وإنما المعنى ما كان لبشر أن يقول للناس ذلك، وقد آتاه الله الكتاب، واذكروا نعمة الله عليكم إذ ألف بينكم بعد العداوة، ومن هذه المادة أيضا قوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ


(١) سورة آل عمران: ٧٩.
(٢) سورة آل عمران: ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>