للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومما يتعلق بما نحن فيه قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى (١) فإن كانت إحداهما الثانية مفعولا

فالاسم الأول هو الثانى على قاعدة المعرفتين، وإن كانت فاعلا فهما واحد باعتبار الجنس كما سبق، وأكثر النحاة على أن الإعراب إذا لم يظهر فى واحد من الاسمين تعين أن يكون الأول فاعلا خلافا لما ذكره الزجاج فى قوله تعالى: فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ (٢) وقد رأيت لابن الحاجب فى أماليه كلاما فى ذلك غالبا حسن، وفى بعضه مشاحة وها أنا أذكره بلفظه فاعتبره، قال: قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى (٣) فيه إشكالان، أحدهما أن قوله: أن تضل ذكر تعليلا لاستشهاد المرأتين موضع رجل، ولا يستقيم فى الظاهر أن يكون الضلال تعليلا للاستشهاد، وإنما العلة التذكير والإشكال الثانى قال: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى، وقياس الكلام فى مثل ذلك أن يقال: فتذكرها الأخرى، لأنه قد تقدم الذكر فلم يحتج إلى إعادة الظاهر، والجواب عن الأول أن التعليل فى التحقيق هو التذكير، ومن شأن لغة العرب إذا ذكروا علة، وكان للعلة علة قدموا ذكر علة العلة، وجعلوا العلة معطوفة بها بالفاء لتحصل الدلالتان معا بعبارة واحدة، كقولك: أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمها، فالإدعام هو العلة فى إعداد الخشبة، والميل هو سبب الإدعام، فذكر على نحو ما ذكرناه، فقيل: أن يميل الحائط فأدعمها، ولو قيل: إن الميل فى المثال والضلال فى الآية هو السبب، لم يكن ذلك ببعيد، لأن الضلال والمعلوم من إحداهما يكثر وقوعه، فصلح أن يكون علة فى استشهادهما مقام رجل، وإنما يجئ اللبس هاهنا إذا توهم أن وقوع الضلال هو السبب، فيؤدى إلى أن يكون مقصودا وقوعه باستشهادهما، وليس التعليل واجبا فيه أن يكون مقصودا وقوعه، بل العلة هى المقتضية لذلك المعلوم، ألا ترى إلى قولك: قعدت عن الحرب من أجل الخوف فالخوف هاهنا ليس مرادا وقوعه فى قصد المتكلم حتى يكون سببا للقعود، فكذلك هاهنا المقصود أن الضلال المعلوم هو السبب المقتضى فى المعنى استشهادهما فى موضع رجل، وذلك مستقيم على هذا التأويل، وكذلك يمكن أن يقال فى ميل الحائط: إنه أيضا هو السبب على الوجه الذى ذكرناه فى الآية، وهذا الوجه الثانى يصلح أن


(١) سورة البقرة: ٢٨٢.
(٢) سورة الأنبياء: ١٥.
(٣) سورة البقرة: ٢٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>