للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تواصل بأن يكون أحدهما معطوفا على الآخر أو له به تعلق ظاهر، وتناسب واضح، فإن قلت: لما نزل قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ (١) حزنت الصحابة رضى الله عنهم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه، ففسره النبى صلّى الله عليه وسلّم بالشرك وقرأ: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (٢) فهذان نكرتان فى كلامين متفاصلين، وفسر أحدهما بالآخر فهو ينقض قولكم: إن النكرتين تكون إحداهما هى الأخرى، وينقض قولكم: إن من شرط كون إحداهما الأخرى فى المعرفتين أو فى النكرة مع المعرفة أن يكونا فى كلام متصل بعضه ببعض، قلت: النكرتان فى كلامين متباعدين لا يمنع أحد أن يراد بإحداهما الأخرى بدليل يقوم عليه، وهذا الحديث دليل على أن المراد بأحد الظلمين الآخر، وإنما المدعى هنا أن النكرتين المتواصلتين دون قرينة تصرف إحداهما لغير الأخرى، أما المتباعدتان فلا يحكم عليهما أن إحداهما هى الأخرى أو غيرها إلا بدليل، هذا عند الإطلاق، أما الظلم وَلَمْ يَلْبِسُوا فإنه عام دلت السنة على تخصيصه بالآية الأخرى، وينبغى أن تتنبه إلى أن هذا التفسير النبوى قطع مادة النظر، فليس لسائل أن يسأل عن دليل لفظى فى إحدى الآيتين خصص الأخرى، ولا أن يقيس على ذلك، فيقول فى نحو: لا تضرب رجلا مع أكرم الرجل أو رجلا يريد زيدا أن المراد بالأول زيد فقط، ولا أن يقول فى قوله تعالى: لا ظُلْمَ الْيَوْمَ (٣): إن المراد الشرك، وإن كان وزان وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ، ولا أن يقول فى نحو: الإنسان حيوان أنه يقتضى أن كل حيوان إنسان، بل القرآن يفسر بعضه بعضا؛ حيث لا تعارض والسنة دلت على ذلك إما بوحى أو دليل لفظى، فليتأمل وكان خطر لى قديما أن فى الآية الكريمة ما يشير إلى أن المراد بالظلم فيها الكفر، وقوله تعالى: وَلَمْ يَلْبِسُوا لأن الذى يلبس الإيمان هو الشرك، فإنه كالممازج له فإن عبادة الله إيمان، وعبادة غيره ظلم، بخلاف الظلم بالمعاصى غير الكفر، فإنها لا تمتزج ولا تلتبس بالإيمان، وعرضت هذا المعنى على والدى بدرس الشامية بدمشق فارتضاه وفرح به،


(١) سورة الأنعام: ٨٢.
(٢) أخرجه البخارى فى" التفسير"، باب: لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، (٨/ ٣٧٢)، (ح ٤٧٧٦)، ومسلم فى" الإيمان"، (ح ١٢٤)، والآية فى سورة لقمان: ١٣.
(٣) سورة غافر: ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>