ثم فى كلامهم السابق نقود كثيرة، منها قول الخطيبى: إن الاقتران اللفظى، لا أثر له فى جعل الفصل من أحوال المسند إليه. وليس كما قال، بل الاقتران اللفظى بأحد الطرفين، إذا كان المعنى بالنسبة إليهما على السواء، يرجح به، وربما رجح به مع التفاوت فى المعنى، ألا ترى أن قولك: القائم زيد، يكون القائم هو المبتدأ والمسند إليه لسبقه لفظا؟ ثم إن الخطيبى ناقض هذا الكلام فى بحثه مع الكاشى، واعتبر قول النحاة: إن فائدة الفصل بيان أن ما بعده خبر، وذلك اعتبار لفظى أيضا.
ومنها قول الخطيبى: الفصل عبارة عن المسند إليه، ومؤكد له، وتكرار له، وإعرابه إعرابه، كل ذلك ممنوع.
(قوله: ويدل على أن المسند إليه معنى يوجد فى المسند، ولا يوجد فى غيره) معارض بأن يقال: هو معنى يوجد فى المسند إليه، ولا يوجد فى غيره، كما فعل هو فى جواب الكاشى سواء بسواء. وإذا تقرر فساد هذا السؤال وجوابه؛ فلنذكر نحن السؤال على التحقيق، بالعكس مما ذكروه، ونقول: الأولى أن يجعل الفصل من الاعتبارات الراجعة إلى المسند إليه أو إلى المسند أو إلى الاسناد ولا شك أن هذا يلتفت عن أن تأكيد الفصل للجملة أو للمفرد، فمقتضى ما سبق أن يقال: للفصل ثلاث فوائد:
التأكيد، والتخصيص، وأن ما بعده خبر. فإن نظر للفائدة الأولى فأولى أن يجعل من اعتبارات الإسناد؛ لأنه توكيد للحكم، كما جعل التأكيد بأن من اعتباراته. ودخوله فى وسط الكلام لا ينافى ذلك، كما أن لام الابتداء تدخل بين المسند إليه والمسند، والتأكيد بها من اعتبارات الإسناد، كما سبق.
وإن نظرنا إلى فائدة التخصيص، فالأولى أن يجعل من اعتبارات المسند إليه، لأن الفصل تخصيص المسند إليه بالمسند، فالفصل مخصص بالكسر، والمسند إليه مخصص بالفتح، والمسند مخصص، فأثر الفصل معنى يتعدى منه إلى المسند إليه، ويصير قائما بالمسند إليه فعلم أن نسبته إلى المسند إليه أولى. ولما كان المصنف وغيره من أهل هذا العلم، إنما عولوا على أن فائدة الفصل التخصيص، ولم يعولوا على التأكيد، جعلوه من أحوال المسند إليه. وإن نظرنا إلى الفائدة الثالثة، وهى أن ما بعده ليس تابعا؛ صح أن يجعل من أحوال المسند إليه؛ لأنه يسرع إعطاءه لخبره، وصح أن يجعل من أحوال المسند؛ لأنه يبين خبريته.