للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحدهما: أن يكون مثبتا، وقدمنا هذه الحالة، وإن أخرها المصنف؛ لأن عليها تنبنى حالة النفى، فيكون تفريعا على قول الجرجانى: إما أن يكون المسند إليه معرفة، أو نكرة. فإن كان معرفة، فإما أن يكون المسند أيضا مثبتا، أو منفيا. إن كان مثبتا فقسمان:

الأول: أن يراد به التخصيص نحو: أنا قمت، وأنا سعيت فى حاجتك، معناه: ما قام إلا أنا، وما سعى فى حاجتك غيرى، فهو يدل على نسبة الفعل إليه بالمنطوق، ونفيه عن غيره بالمفهوم، وقد يستدل لهذا بقوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (١) فإن ما قبلها من قوله تعالى: أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ ولفظ: بل المشعر بالإضراب يقتضى أن المراد: بل أنتم لا غيركم. فإن المقصود من الآية الكريمة إنما هو: نفى فرحه صلّى الله عليه وسلّم بالهدية، لا إثبات الفرح لهم بهديتهم فليتأمل.

وهذا قد يأتى ردا على من زعم مشاركة غيره فيه ويؤكد حينئذ بنحو: وحدى، أو فقط، وقد يأتى ردا على من زعم انفراد غيره به، ويؤكد حينئذ بلا غيرى غير أن التقديم فى الأول حصل به الرد، والتقديم فى الثانى حصل الرد بغيره، فكأنه رد عليه، وزاد هذا ظاهر عبارة المصنف. ويحتمل أن يقال: إن كان التخصيص إنما يحصل من الرد، فإنما يكون التخصيص فى الأولى، والصورة الثانية لا تخصيص فيها؛ لحصول الرد بدونه. وعلى الأول قال المصنف: إنما اختص كل بوجه من التأكيد، لأن جدوى التأكيد إماطة الشبهة الواقعة فى قلب السامع، وكانت الشبهة فى الثانية: أن الفعل صدر من غيرك فناسب أن يقال: لا غيرى، وكانت فى الأولى، أنه صدر منك ومن غيرك، ومعناه لم تفعله وحدك، فناسب أن يقال:

وحدى؛ لأن التأكيد مما يدل على المقصود بالمطابقة لا بالالتزام، ومنه قوله تعالى:

لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ (٢) أى لا يعلمهم إلا نحن.

القسم الثانى: أن يراد به تقوية الحكم نحو: هو يعطى الجزيل، لا يريد أن غيره ليس كذلك؛ بل أن يقوى فى ذهن السامع، أنه يفعل ذلك. وعلل المصنف تقوية الحكم، بأن المبتدأ من حيث كونه مبتدأ، يستدعى أن يسند إليه شئ، فإذا جاء


(١) سورة النمل: ٣٦.
(٢) سورة التوبة: ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>