ومن إن دجّت فى المشكلات مسائل ... جلّاها بفكر دائم اللّمعان
رأيت كتاب الله أكبر معجز ... لأفضل من يهدى به الثّقلان
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره ... بإيجاز ألفاظ وبسط معانى
ولكنّنى فى الكهف أبصرت آية ... بها الفكر فى طول الزمان عنانى
وما هى إلا استطعما أهلها فقد ... ترى استطعماهم مثله ببيان
فما الحكمة الغرّاء فى وضع ظاهر ... مكان ضمير إنّ ذاك لشان
فأرشد على عادات فضلك حيرتى ... فما لى بها عند البيان يدان
وأما الجواب فهو: الحمد لله. قوله: استطعما أهلها متعين واجب، ولا يجوز مكانه استطعماهم لأن استطعما صفة للقرية فى محل خفض جارية على غير من هى له كقولك: أتيت أهل قرية مستطعم أهلها، لو حذفت أهلها هنا وجعلت مكانه ضميرا لم يجز، فكذلك هذا لا يسوغ من جهة العربية شئ غير ذلك إذا جعلت استطعما صفة لقرية وجعله صفة لقرية، سائغ عربى لا ترده الصناعة ولا المعنى، بل أقول: إن المعنى عليه، أما كون الصناعة لا ترده فلأنه ليس فيه إلا وصف نكرة بجملة كما توصف سائر النكرات بسائر الجمل، والتركيب محتمل لثلاثة أعاريب، أحدها هذا، والثانى أن تكون الجملة فى محل نصب صفة لأهل، والثالث أن تكون الجملة جواب إذا، والأعاريب الممكنة منحصرة فى الثلاثة لا رابع لها، وعلى الثانى والثالث يصح أن يقال: استطعماهم، وعلى الأول لا يصح لما قدمناه، فمن لم يتأمل الآية كما تأملناها ظن أن الظاهر وقع موضع المضمر أو نحو ذلك وغاب عنه المقصود، ونحن بحمد الله وفقنا الله للمقصود ولمحنا تعين الإعراب الأول من جهة معنى الآية ومقصودها، وأن الثانى والثالث وإن احتملهما التركيب بعيدان عن مغزاها، أما الثالث وهو كون الجملة جواب إذا فلأنه تصير الجملة
الشرطية معناها الإخبار باستطعامهما عند إتيانهما وأن ذلك تمام معنى الكلام، ويجل مقام موسى والخضر عليهما السّلام عن تجريد قصدهما وأن يكون معظمه أو هو طلب طعمة أو شئ من الأمور الدنيوية، بل كان القصد ما أراد ربك أن يبلغ اليتيمان أشدهما: وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ (١)