للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإظهار تلك العجائب لموسى عليه السّلام، فجوابه إذا قوله: قالَ لَوْ شِئْتَ (١) إلى تمام الآية، وأما الثانى وهو كونه صفة لأهل فى محل نصب، فلا تصير العناية إلى شرح حال الأهل من حيث هم هم ولا يكون للقرية أثر فى ذلك، ونحن نجد بقية الكلام مشيرا إلى القرية نفسها، ألا ترى إلى قوله:

فَوَجَدا فِيها ولم يقل عندهم، وأن الجدار الذى قصد إصلاحه وحفظه وحفظ ما تحته جزء من قرية مذموم أهلها، وقد تقدم منهم سوء صنيع من الآباء عن حق الضيف مع طلبه، وللبقاع تأثير فى الطباع، فكانت هذه القرية حقيقة بالإفساد والإضاعة فقوبلت بالإصلاح لمجرد الطاعة فلم يقصد إلا العمل الصالح، ولا مؤاخذة بفعل الأهل الذين منهم غاد ورائح فلذلك قلت: إن الجملة يتعين من جهة المعنى جعلها صفة لقرية ويجب معها الإظهار دون الإضمار، وينضاف إلى ذلك من الفوائد أن الأهل الثانى يحتمل أن يكونوا هم الأول أو غيرهم أو منهم ومن غيرهم، والغالب أن من أتى قرية لا يجد جملة أهلها دفعة بل يقع بصره أولا على بعضهم، ثم قد يستقرئهم، فلعل هذين العبدين الصالحين لما أتياها قدر الله لهما لما يظهر من حسن صنيعه استقراء جميع أهلها على التدريج ليتبين به كمال رحمته وعدم مؤاخذته بسوء صنيع بعض عباده، ولو أعاد الضمير فقال: استطعماهم تعين أن يكون المراد الأولين لا غير، فأتى بالظاهر إشعارا بتأكيد العموم فيه، وأنهما لم يتركا أحدا من أهلها حتى استطعماه وأبى، ومع ذلك قابلهم بأحسن الجزاء! فانظر هذه المعانى والأسرار كيف غابت عن كثير من المفسرين واحتجبت تحت الأستار حتى ادعى بعضهم أن ذلك تأكيد وادعى بعضهم غير ذلك وترك كثير التعرض لذلك رأسا؟! وبلغنى عن شخص أنه قال: إن اجتماع الضميرين فى كلمة واحدة مستثقل فلذلك لم يقل استطعماهم! وهذا شئ لم يقله أحد من النحاة، ولا له دليل، والقرآن والكلام الفصيح ممتلئ بخلافه، وقد قال تعالى فى بقية الآية:

يُضَيِّفُوهُما وقال تعالى: فَخانَتاهُما (٢) وقال تعالى: حَتَّى إِذا جاءَنا (٣) فى قراءة الحرميين وابن عامر، وألف موضع

هكذا، وهذا القول ليس بشئ، وليس


(١) سورة الكهف: ٧٧.
(٢) سورة التحريم: ١٠.
(٣) سورة الزخرف: ٣٨. وقراءة أبى جعفر وشيبة وقتادة والزهرى والجحدرى أيضا، انظر البحر المحيط ٨/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>