للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هو قولا حتى يحكى! وإنما لما قيل نبهت عن رده، ومن تمام الكلام فى ذلك أن استطعما إذا جعل جوابا فهو متأخر عن الإتيان وإذا جعل صفة احتمل أن يكون اتفق قبل الإتيان هذه المرة، وذكر تعريفا وتنبيها على أنه لم يحملهما على عدم الإتيان لقصد الخير، وقوله: فَوَجَدا معطوف على أَتَيا.

وكتبته فى ليلة الثلاثاء ثالث ذى القعدة سنة خمسين وسبعمائة بدمشق، ثم بعد ذلك استحضرت آية أخرى، وهى قوله تعالى: إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (١) وإن كانت هذه جملتين، ووضع الظاهر موضع المضمر إنما يحتاج إلى الاعتذار عنه إذا كان فى جملة واحدة، ولكن سئل عن سبب الإظهار هنا والإضمار فى مثل قوله تعالى: إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٢) وخطر لى فى الجواب أنه لما كان المراد من مدائن لوط إهلاك القرى صرح فى الموضعين بذكر القرية التى يحل بها الهلاك كأنها اكتسبت الظلم منهم واستحقت الإهلاك معهم، ولما كان المراد من قوم فرعون إهلاكهم بصفاتهم حيث كانوا ولم يهلك بلدهم أتى بالضمير العائد على ذواتهم من حيث هى لا تختص بمكان ولا يدخل معها مكان، وقد قلت:

لأسرار آيات الكتاب معانى ... تدقّ فلا تبدو لكلّ معانى

وفيها لمرتاض لبيب عجائب ... سنى برقها يعنو له القمران

إذا بارق منها لقلبى قد بدا ... هممت قرير العين بالطّيران

سرورا وإبهاجا وصولا على العلا ... كأن على هام السّماك مكانى

وهاتيك منها قد أبحت كما ترى ... فشكرا لمن أولى بديع بيان

وإنّ حياتى فى تموّج أبحر ... من العلم فى قلبى تمدّ لسانى

وكم من كناس فى حماى مخدّر ... إلى أن أرى أهلا ذكى جنان

فيصطاد منّى ما يطيق اقتناصه ... وليس له بالشّاردات يدان

مناى سليم الذّهن ريض ارتوى ... بكلّ علوم الخلق ذو لمعان


(١) سورة العنكبوت: ٣١.
(٢) سورة القصص: ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>