للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجهه (١): أنّ الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب: كان أحسن تطرية (٢) لنشاط السامع، وأكثر إيقاظا للإصغاء إليه؛ وقد تختصّ مواقعه بلطائف كما فى الفاتحة؛ فإن العبد إذا ذكر الحقيق بالحمد عن قلب حاضر، يجد من نفسه محرّكا للإقبال عليه، وكلما أجرى عليه صفة من تلك الصفات العظام، قوى ذلك المحرّك إلى أن يؤول الأمر إلى خاتمتها المفيدة: أنه مالك الأمر كله فى يوم الجزاء، فحينئذ: يوجب الإقبال عليه، والخطاب بتخصيصه بغاية الخضوع، والاستعانة فى المهمّات.

ــ

وأما على رأى المصنف فلا التفات فى البيت الأول، وفى الثانى التفاتة واحدة، فتعين أن يكون فى الثالث التفاتان، فقيل: هما فى قوله: جاءنى، أحدهما باعتبار انتقاله عن الغيبة، والثانى باعتبار انتقاله عن الخطاب، وفيه نظر لأن الالتفات إنما يعتبر بالنسبة إلى الأسلوب الذى يليه.

وقيل: أحدهما فى قوله: ذلك، والآخر فى قوله: جاءنى. قال المصنف: وهذا أقرب. قلت: يفسده أن أرباب هذا العلم شرطوا أن يكون الالتفات فى جملتين ولا يكون فى جملة واحدة، وإنما قلنا: إنه يلزم الالتفات فى جملة واحدة لأن جاءنى إن كان خبر ذلك فواضح وإلا فهو معمول لما قبله، وقد يرد هذا بأنه لا مفر من الالتفات فى جملة واحدة، لأن ذلك خطاب وجاءنى تكلم فلزم الالتفات فى جملة واحدة بكل حال، وسنتكلم على جواز الالتفات فى جملة واحدة.

فإن قلت: هل يجوز أن يكون الالتفات الثالث فى قوله: عن أبى الأسود فإنه يعنى أباه فالتفت عن التكلم إلى الغيبة؟

قلت: لا، لأن أبا الأسود علم، وأيضا فأبو الأسود لم يقع موقع ياء المتكلم فى قوله:

أبى بل موقع الاسم المضاف إليها وهو أب - والأحسن أن يجعل الالتفات الثانى فى ذلك والثالث فى وخبرته.

ص: (ووجهه أن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب إلخ).

(ش): أى ووجه الالتفات أن الكلام إذا نقل من أسلوب لآخر كان أحسن تطرية (٣) - أى أشهى للقلب - لأن لذات النفوس فى التنقلات لما جبلت عليه من الضجر ويكون ذلك أكثر إصغاء، وقال فى المثل السائر فى قول الزمخشرى: إن


(١) وجه حسن الالتفات.
(٢)،
(٣) أى: تجديدا وإحداثا.

<<  <  ج: ص:  >  >>