للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ (١) يحتمل الأمرين، أى: أجمل، أو فأمرى،

ــ

الرحمة لشح، وإنما يكون ذلك لو قيل: أنتم لو تملكون، فإن المعنى حينئذ أنتم المختصون بأنكم لو ملكتم الخزائن لأمسكتم، ثم أقول: لو كانت الصيغة للاختصاص لكان الاختصاص هنا متعذرا؛ لأن الاختصاص لا يكون إلا فى شئ يقبل عدم الاختصاص، وملك خزائن الرحمة إن كان لهؤلاء استحال أن يكون لغيرهم؛ لأن الشئ الواحد لا يكون مملوكا لشخصين فى وقت واحد، فالاختصاص هنا متعذر، ولو حصل لم تكن له فائدة، فإن قلت: قد يحصل الاختصاص بحسب الأزمنة، تقول: أنا أملك هذا، أى: لا يملكه غيرى بخلاف أملكه قد يكون فى وقت وغيرك فى وقت، قلت: لا نسلم، بل معنى أنا أملك اختصاصك بالملك فى وقت ما والعموم فى ما يملك هذا غيرى إنما جاء فى الأزمان إذا كان مصرحا به، أما إذا كان مفهوما فلا، ولو سلمناه فليس المراد هنا ولا المعنى عليه، ثم نقول: كان للزمخشرى مندوحة عن ذلك، بأن يعرب (أنتم) مبتدأ، و (تملكون) خبره والجملة خبر (كنتم) المحذوفة، فيحصل الاختصاص؛ لأنه كقولك: أنت تقوم، ويجتمع كلام النحاة والبيانيين، وقول الزمخشرى صناعة البيانيين هو على عادته فى إطلاق علم البيان على المعانى.

بقى هنا سؤال وهو أن من يملك خزائن رحمة الله تعالى، وهى غير متناهية كيف يمسك خشية الإنفاق مع أن غير المتناهى يستحيل نفاده؟ فكيف يخاف نفاد ما يستحيل نفاده؟ والخوف من وقوع المستحيل مع اعتقاد استحالته مستحيل!

ثم ذكر ما هو محتمل لأن يكون حذف فيه المسند أو المسند إليه كقوله تعالى:

فَصَبْرٌ جَمِيلٌ * يحتمل حذف المسند، فتقديره: فصبر جميل، أى: أجمل، ويحتمل أن المحذوف هو المسند إليه، تقديره: فأمرى صبر جميل، وقد اختلف النحاة فيما إذا دار الحال بين حذف المبتدأ والخبر أيهما يحكم بأنه المحذوف؟ حكاه ابن إياز (٢) قيل:

الخبر أولى بالذكر لأنه محط الفائدة، قيل: المبتدأ لأنه العامل، وأيضا الحذف من الأواخر


(١) سورة يوسف: ١٨.
(٢) ابن إياز: الحسين بن بدر بن إياز بن عبد الله أبو محمد، كان أوحد عصره فى النحو والتصريف، ومن تصانيفه: قواعد المطارحة، والإسعاف فى الخلاف، انظر بغية الوعاة (١/ ٥٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>