(تنبيه): قال الخطيبى: يجوز أن يسند إلى أحد الظروف الثلاثة أعنى: له فيها بالغدو فحينئذ يجئ الكلام فيما يتصل بالفعل جزءا، وما ينفصل عنه فضلة، ويتفرع عليه معنى الاهتمام فيما قدم وأخر ومعنى الإسناد المجازى، فالوجوه ثلاثة والاعتبارات تسعة:
أحدها: أن يجعل الباء فى (بالغدو) مزيدة، ويسند الفعل إلى أوقات الغدو والآصال على الإسناد المجازى؛ لأن الله تعالى بالحقيقة هو المسبح، ولكن المسبحين لاهتمامهم بالتسبيح فإن أوقاتهم مستغرقة فيه لا يفترون آناء الليل وأطراف النهار كما قال:
رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ (١) كأنها مسبحة، ويؤيده قوله: على زيادة الباء وجعل الأوقات مسبحة والمراد بها، ومنه قولك: زيد نهاره صائم وليله قائم، لكثرة صيامه بالنهار وقيامه بالليل، فالتقديم إذن فى الفضلات؛ لأن الأصل تقديم المسند إليه عليها وتقديم المفعول فيه على المفعول له، لأن الغايات سابقة فى القصد لاحقة فى الوجود، فقدم لإرادة مزيد الاختصاص، كأنه قيل: تسبح أوقاته لأجله وكرامة لوجهه الكريم لا لشئ آخر، ويفيد تقديم ظرف المكان على الزمان أن الفعل أشد اتصالا بالزمان لكونه جزأه شدة العناية بإيثار تلك الأمكنة التى وقعت لذكر الله تعالى وتسبيحه. فهذه اعتبارات أربعة اعتبار الإسناد تقديم المفعول له على المفعول فيه، وعلى ما أقيم مقام الفاعل، وتقديم ظرف المكان على الزمان.
وثانيها: أن تجعل اللام فى (له) مزيدة ويسند الفعل إلى الله تعالى بالحقيقة، فالتقديم حينئذ فى الظرفين على ما سبق، ففيه اعتباران: اعتبار الإسناد الحقيقى، وتقديم ظرف المكان على الزمان.
وثالثها: أن تجعل (فى) فى (فيها) مزيدة، ويسند الفعل إلى ضمير البيوت على المجاز، وفى ذلك أن المسبحين لشدة عنايتهم بالعكوف فى بيوت الله تعالى وملازمتهم لها للذكر فيها واختصاص الصلاة بها كما قال تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ