لأن المراد الحسنة المطلقة؛ ولهذا عرّفت تعريف الجنس، والسيئة نادرة بالنسبة إليها؛ ولهذا نكّرت.
ــ
على السيئة - أعنى ما يسوء الإنسان - وأتى فى السيئة (بإن) لندورها، هكذا ينبغى أن يقرر. وأما المصنف فإنه قال: أتى فى جانب الحسنة (بإذا) لأن المراد الحسنة المطلقة التى حصولها مقطوع به؛ أو كالمقطوع به، ولذلك عرفت تعريف الجنس، وفى جانب السيئة بلفظ (إن) لأن السيئة نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة ولذلك نكرت.
قلت: قد يقال: إن الإطلاق موجود فى الحسنة المعرفة تعريف الجنس، وفى السيئة النكرة، إلا أن يقال: الألف واللام الجنسية تصرف إلى الحقيقة فيكون مطلقا، بخلاف سيئة المنكر قد يكون نكرة فى المعنى بأن يكون تنكيره للوحدة.
والذى يظهر أن ما ذكره المصنف من الحكمة فى استعمال (إن) و (إذا) فى موضعهما واضح من غير اعتبار تعريف ولا تنكير. وجوّز السكاكى أن تكون الألف واللام جنسية وأن تكون عهدية، وقال: إن العهد أقضى لحق البلاغة. قال المصنف: وفيه نظر، ووجه النظر أنه قرر أن الحسنة مطلقة فكيف يجعلها للعهد وهو ينافى الإطلاق؟ وحمل كلامه على أنه يريد عهدا جنسيا، والعهد الجنسى لا ينافى الإطلاق بالنسبة إلى أنواعه، وحمل على أنه يريد بالمعهود النعمة المطلقة الموجودة فى ضمن الجزئيات، فتكون مطلقة وغير مطلقة باعتبارين، وما ذكره فى المفتاح هو معنى عبارة الكشاف. وإذا راجعت ما قدمناه فى الألف واللام من تحقيق مذهب السكاكى، وأنه يرى أن الألف واللام لا تزال عهدية اتضح لك أن ما ذكره هنا ماش على رأيه. قال الطيبى: مراد الزمخشرى بجنس
الحسنة العهد الجنسى الشائع، كما قال فى تفسير (الحمد لله): التعريف فيه للجنس، والمراد الإشارة لما يعرفه كل أحد أن الحمد ما هو؟ فالمراد بالحسنة الحسنة التى تحصل فى ضمن فرد من الأفراد، فتارة تكون خصبا، وتارة رفاهية، وتارة صحة، وغير ذلك، وإليه الإشارة بقوله: الحسنة من الخصب والرخاء، فإن بعضا منها واقع لا محالة، وهو يصدق على كل فرد حاصلا كان أو سيكون، ومن ثم لم يجز حمل العهد على الخارجى لتشخصه، ولا على الجنس من حيث هو هو؛ فإن الحقيقة إذا أريد بها شئ بعينه مجازا حمل على المبالغة والكمال فيها، والمقام لا يقتضى ذلك، وهو المعنى بقول صاحب المفتاح؛ لكون حصول الحسنة المطلقة مقطوعا به كثرة؛ ولذلك عرف ذهابا إلى كونها معهودة أو تعريف جنس،