للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والأول أقضى لحق البلاغة أى المعهود الذهنى اه. وقيل: إنما قال: إنه أقرب للبلاغة؛ لأن المعهود أقرب إلى التحقق من الجنس، وجعل المصنف من ذلك: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ (١).

قلت: وهو يشهد لما قلناه من أن الإتيان (بإذا) و (إن) لمادتى الحسنة والسيئة، لا لتعريف ولا لتنكير، وإلا ورد عليه ما ذكره بهذه الآية الكريمة، فيحتاج إلى تكلف الجواب بأنه إنما نكّر رعاية للفظ الإذاقة المشعر بالقلة.

وأورد المصنف قوله تعالى: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٢) فقد استعمل فيه (إذا) فى الطرفين، وأجاب بأنه قصد التوبيخ والتقريع فأتى (بإذا) و (بالمس) المشعر بالقلة؛ ليكون تخويفا لهم، وإخبارا بأنهم لا بد أن يمسهم شئ من العذاب.

وأورد قوله تعالى: وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٣) بعد قوله تعالى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ فإن الضمير فى مسه يعود على المعرض؛ إشارة إلى أنه لما أعرض وتكبر قطع بأن الشر يمسه؛ قلت: الواو ليست للترتيب، والذى يمسه الشر أعم من أن يكون مسه الخير قبل ذلك أولا.

(تنبيه): أورد على الشاعر القائل:

إذا هى حثّته على الخير مرّة ... عصاها وإن همّت بشرّ أطاعها (٤)

قلت: ويمكن الجواب بأن المقصود إثبات حثّ نفسه له على الخير ومع ذلك يعصيها، وهو أبلغ فى الذم، وبذلك يعلم الجواب عن قوله: وإن همت، قلت ذلك بحثا ثم رأيته فى بعض الحواشى، وقد سبق غيرى إليه.


(١) سورة الروم: ٣٦.
(٢) سورة الروم: ٣٣.
(٣) سورة فصلت: ٥١.
(٤) البيت من الطويل، وهو لسعيد بن عبد الرحمن فى الأغانى ٨/ ٢٨١، والبيان والتبيين ٣/ ١٨٧، وشرح عمدة الحافظ ص: ٣٧٣، ولعبد الرحمن بن حسان فى أمالى القالى ٢/ ٢٢٢، والحماسة البصرية ٢/ ٢٦٦، والعقد الفريد ٦/ ٢٩٢، وعيون الأخبار ٣/ ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>