للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً (١).

السكاكى: أو للتعريض؛ نحو: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (٢)،

ــ

قوله: وعليه إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً مثال لإظهار الرغبة، فالمصنف لف قسمى التفاؤل وإظهار الرغبة، ثم نشر مثالهما، وقد يقوى التخيل حتى إن الإنسان يغلط حسه كقول المعرى:

ما سرت إلا وطيف منك يصحبنى ... سرى أمامى وتأويبا على أثرى (٣)

الطيف: الخيال، والتأويب: السير نهارا، مشتق من الأوب وهو العود؛ لأن الغالب أنهم يسيرون ليلا ويأتون إلى منازلهم نهارا. قال السكاكى: وقد يؤتى بالماضى لإرادة التعريض؛ وهو أن يخاطب واحد ويراد غيره، نحو: لَئِنْ أَشْرَكْتَ فإن قلت:

أى مناسبة فى ذلك للفظ المضى؟ قلت: لأن المخاطب إذا علم من نفسه أنه ليس بذلك الوصف، ووجد الفعل ماضيا علم أنه تعريض لغيره ممن وقع منه فى الماضى، لا يقال:

المقصود التعريض بمن يقع منه الشرك ماضيا أم مستقبلا؛ لأنا نقول: تحذير من وقع فى الشرك هو أشد عناية لإزالة المفسدة الحاضرة. فإن قلت: ما الذى صرف هذا الخطاب عن أن يراد به النبى؟ قلت: لأن الأصل فى (إن) دخولها على الممكن، والشرك فى حقه مستحيل شرعا، فجعلناه خارجا عن الأصل تنزيلا للاستحالة الشرعية منزلة الاستحالة العقلية، ولا سيما والفعل بصيغة المضى التى لا تستعمل غالبا إلا فى المتوقع.

فإن قلت: قولكم: (المراد غيره) هل تعنون به أن ضمير المخاطب المفرد استعمل فى الغائب مجازا؛ فلا يكون النبى مخاطبا إلا فى الصورة لا فى المعنى؟ قلت: لا بل النبى خوطب لفظا ومعنى ولكن أريد بخطابه إفادة لازمه، وهو أن غيره إذا أشرك حبط عمله، فهو من نوع الكناية، كقولنا: زيد طويل النجاد، فالنبى مراد فى الآية الكريمة استعمالا، وغير مراد إفادة، كما سترى تحقيقه فى الكناية، لا يقال: فيلزم من كونه مرادا بالضمير أن يكون الشرك بالنسبة إليه هو المراد؛ لأنا نقول هو من نوع الكناية التمثيلية، لأنك تقول: زيد كثير الرماد كناية عن كرمه، وإن لم يكن له رماد ولا طبخ، فتسمى هذه كناية تمثيلية. ونظير ما تقدم فى


(١) سورة النور: ٣٣.
(٢) سورة الزمر: ٦٥.
(٣) البيت لأبى العلاء المعرى فى كتاب عقود الجمان ١/ ١١٢، والإيضاح ص ١٠٠ بتحقيقى، والمفتاح ص ٣٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>