للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظيره فى التعريض: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي (١) أى: وما لكم لا تعبدون الذى فطركم؛ بدليل: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، ووجه حسنه: إسماع المخاطبين الحقّ على وجه لا يزيد غضبهم، وهو ترك التصريح بنسبتهم إلى الباطل، ويعين على قبوله؛ لكونه أدخل فى إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه.

ــ

التعريض وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ المراد: وما لكم لا تعبدون الذى فطركم بدليل: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فإن قلت: قد تقدم: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ التفات، والمعنى وإليه أرجع، فإذا كان تعريضا لا يكون فيه التفات، بل يكون عبر فى الأول بياء المتكلم عن المخاطبين، فهذا مناقض لما سبق؟ قلت: ليس كذلك، ولا منافاة بين الكلامين؛ فإن التعريض ليس من شرطه أن يراد به غير ظاهر اللفظ؛ بل يراد ظاهره لا لقصده، بل يكون المقصود بالكلام غيره، كما يخوف الملك ولده ليحذر غيره من خدمه تأسيا من باب أولى، فقوله تعالى: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ المراد به المتكلم، ولكنه إذا قال لنفسه ذلك كان فيه من التعريض بأن كل أحد ينبغى أن يكون كذلك ما لا يخفى كما سبق. وقوله: والمراد وما لكم، أى: الذى سبق الكلام لأجله، لا أن المتكلم غير مراد، وهذا الباب يسمى الكلام المنصف ومثله:

أتهجوه ولست له بكفء ... فشرّكما لخيركما الفداء (٢)

لأن من سمعه من معاد وموال يقول: أنصف قائله. ومنه: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ (٣) وقوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٤) فإنه لو جرى على الظاهر لجاء لا تسألون عما نعمل ولا نسأل عما أجرمتم. ووجه حسنه إسماع المخاطبين الحق على وجه لا يغضبهم، فإنه ليس فيه التصريح بنسبتهم إلى الباطل، وصرفه إلى المتكلم إشارة إلى أنه لا يريد لهم إلا ما أراده لنفسه. قلت: ومن هنا يعلم أن ضمير المتكلم فى: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي على وضعه. ووجه الحسن فى قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ (٥) إشارة إلى النصفة التامة، وأن أعز خلق الله عليه حكمه حكم غيره فى تحريم الإشراك عليه.


(١) سورة يس: ٢٢.
(٢) البيت من الوافر، وهو لحسان بن ثابت فى ديوانه ص: ٧٦، وخزانة الأدب ٩/ ٢٣٢، ٢٣٦، ٢٣٧، وشرح الأشمونى ٣/ ٣٨٨، ولسان العرب ٣/ ٤٢٠ (ندد)، ٦/ ٣١٦ (عرش)، ويروى (بند) بدلا من (بكفء).
(٣) سورة البقرة: ٢٠٩.
(٤) سورة سبأ: ٢٤، ٢٥.
(٥) سورة الزمر: ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>