للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السماع فدونه أولى؛ لأن المراد الإسماع النافع، بدليل أنه منفى لقوله تعالى:

لَأَسْمَعَهُمْ والإسماع النافع لا يقع معه التولى، واختلف فى الجواب عنها فقال الإمام فخر الدين - وهو ظاهر عبارة الزمخشرى -: المعنى لو علم فيهم خيرا لأسمعهم الحجج إسماع تفهيم وتعليم، ولو أسمعهم بعد أن علم أن لا خير فيهم لم ينتفعوا، وقيل:

لأسمعهم إسماعا يحصل به الهدى، ولو أسمعهم لا على أن يخلق لهم الهدى إسماعا مجردا لتولوا، وهى قريبة من الأولى، وفيهما نظر؛ لأن مطلق التولى قد حصل، وهو خلاف ما دلت عليه (لو) من الامتناع، وحاصله أن تكون (لو) جعلت مجازا لمجرد التلازم من غير دلالة على الامتناع.

قلت: وأقرب ما فيه وأشار إليه الزمخشرى أن يجعل التولى هو الارتداد بعد الإسلام، وهو غير حاصل حال الإخبار؛ فإن الحاصل عند الإخبار هو الكفر الأصلى.

المعنى: لو علم فيهم خيرا لأسمعهم إسماعا يفيد حصول الإيمان، ولو أسمعهم ذلك لما استمروا عليه؛ فإن قلت: يلزم أن لا يكون فيهم خير، قلت: لا يلزم؛ لأن خيرا نكرة، فهم بتقدير أن يكون فيهم خير ما يحمل على الإسلام لا يستمرون عليه لعدم الخير الكثير الذى يستمر أثره إلى الموت، وقد يقال: إن الاسلام الذى لا يستمر إلى الموت

ليس بخير لأن الله يحبطه، والوجه تخريج هذا الجواب على الخلاف بين الشيخ أبى الحسن الأشعرى وغيره فى أن من عاش كافرا ومات مسلما أو بالعكس هل هو لم يزل على الحالة التى ختم له بها أولا؟ والأول مذهب الأشعرى.

ومنها قوله تعالى: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (١) وجوابه واضح لأنهم لم يقولوا عن هذا الكتاب الذى لم ينزل ذلك إنما قالوه عن القرآن.

ومنها قوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ (٢) يلزم أن يكون الإمساك ممتنعا؛ وجوابه بما سبق، أى لأمسكتم مع أنكم مالكون ما لا يتطرق إليه النفاد، فالإمساك مع هذه الحالة ليس واقعا، فجواب (لو) كلى، فامتناعه صادق بالجزئى؛ لأن نقيض الإثبات الكلى سلب جزئى. إلا أن هذا الجواب فيما كان


(١) سورة الأنعام: ٧.
(٢) سورة الإسراء: ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>