للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا يقال فى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (١) معناه: نخصّك بالعبادة والاستعانة، وفى: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (٢) معناه: إليه لا إلى غيره.

ويفيد فى الجميع - وراء التخصيص - اهتماما بالمقدّم؛ ولهذا يقدّر فى (باسم الله) مؤخّرا.

وأورد: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (٣):

وأجيب: بأنّ الأهمّ فيه القراءة، وبأنّه متعلّق ب (اقرأ) الثانى، ومعنى الأول: أوجد القراءة.

ــ

ابن الأثير وابن النفيس وغيرهما بأن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد الاختصاص. وقال صاحب الفلك الدائر: إن هذا لم يقل به أحد وزاد ابن الأثير فقال: تقدم الظرف فى الكلام المثبت يفيد الاختصاص، نحو: إن إلىّ مصير هذا الأمر، وقوله تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٤)، وكذلك تقديم الحال على صاحبها مثل: جاء راكبا زيد.

(قلت): هذا والذى قبله ليس من تقديم المعمول على عامله، بل من تقديم بعض المعمولات على بعض، وسيأتى أنه لا يفيد الاختصاص.

وقوله: (لازم للتقديم غالبا) يعنى: أن الغالب أن التقديم يكون للتخصيص، وقد يخرج عن ذلك لغرض غيره كما تقدم فى تقديم المسند إليه، فإن قلت: قوله: غالبا، كيف يجتمع مع قوله: لازم؟ قلت: لا يعنى بقوله: لازم للتقديم أنه لا يفارقه، بل يعنى أنه لازم الإمكان ولكون التقديم مفيدا للاختصاص تقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ معناه نخصك بالعبادة والاستعانة، وفى: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ معناه: إليه لا إلى غيره، وكذلك قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (٥) أخرت الصلة فى الشهادة الأولى وقدمت فى الثانية؛ لأن الغرض فى الأول إثبات شهادتهم، والغرض فى الثانى إثبات اختصاصهم بشهادة النبى عليهم، ثم ذكر أنه يفيد

وراء التخصيص شيئا آخر، وهو الاهتمام بالمعمول المقدم؛ ولذلك كان الأولى عند الجمهور تقدير العامل فى (باسم الله) متأخرا فيقدم (باسم الله اقرأ) وأورد أنه يتعين أن يكون مقدما ليوافق قوله سبحانه وتعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وأجيب بأن الأهم ثم ذكر القراءة لأنها أول سورة نزلت وبأن بِاسْمِ رَبِّكَ يتعلق باقرأ المذكور ثانيا، ومعنى اقرأ الأولى أوجد


(١) سورة الفاتحة: ٥.
(٢) سورة آل عمران: ١٥٨.
(٣) سورة العلق: ١.
(٤) سورة الغاشية: ٢٥.
(٥) سورة البقرة: ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>