للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أفاد التعريض بأن غيرك يكرم غيره، ولا يلزم أنك لا تكرمه، وقد قال سبحانه وتعالى:

الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً (١) أفاد أن العفيف قد ينكح غير الزانية، وهو ساكت عن نكاحه الزانية، فقال سبحانه وتعالى بعده: وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ بيانا لما سكت عنه فى الأولى، فلو قال: بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٢) أفاد بمنطوقه إيقانهم بها، ومفهومه عند من يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها، وليس ذلك مقصودا بالذات: والمقصود بالذات، قوة إيقانهم بالآخرة حتى صار غيرها عندهم كالمدحوض، فهو حصر مجازى، وهو دون قولنا:" يوقنون بالآخرة" لا بغيرها فاضبط هذا، وإياك أن تجعل تقديره: لا يوقنون إلا بالآخرة. إذا عرفت هذا فتقديم هم أفاد أن غيرهم ليس كذلك، فلو جعلنا التقدير: لا يوقنون إلا بالآخرة، كان المقصود المهم النفى، فيتسلط المفهوم عليه فيكون المعنى إفادة أن غيرهم يوقن بغيرها، كما زعم هذا القائل، ويطرح إفهام أنه لا يوقن بالآخرة، ولا شك أن هذا ليس بمراد، بل المراد إفهام أن غيرهم لا يوقن بالآخرة، فلذلك حافظنا على أن الغرض الأعظم إثبات الإيقان بالآخرة ليتسلط المفهوم عليه، وأن المفهوم لا يتسلط على الحصر، ولم يدل عليه بجملة واحدة، مثل: ما وإلا، ومثل: إنما، وإنما دل عليه بمفهوم مستفاد من منطوق، وليس أحدهما متقيدا بالآخر، حتى نقول: إن

المفهوم أفاد نفى الإيقان المحصور، بل أفاد نفى الإيقان مطلقا عن غيرهم، وهذا كله إنما احتجنا إليه على تقدير تسليم ما ادعاه هذا القائل من الحصر، وقد سبق إلى فهم كثير من الناس، ونحن قد منعنا ذلك أولا، وبينا أنه لا حصر فى ذلك، وإنما هو اختصاص، وفرقنا بين الاختصاص والحصر، وقول هذا القائل:

تقديم هم، من أين له أن هذا تقديم؟ فإنك إذا قلت: هو يفعل، احتمل أن يكون مبتدأ خبره يفعل، واحتمل أن يكون أصله: يفعل هو، ثم قدمت وأخرت. والزمخشرى لم يصرح بالتقديم، وإنما قال: بناء يوقنون على هم، ولكنا مشينا مع هذا الفاضل على كلامه، وكل ذلك أوجبه الوهم والتباس الاختصاص بالحصر، والله عز وجل أعلم.


(١) سورة النور: ٣.
(٢) سورة البقرة: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>