للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال السكاكى: الحالة المقتضية لتقديم ما يتصل بالفعل بعضه على بعض كون العناية بما تقدم أتم، وذلك نوعان:

أحدهما: أن يكون أصل الكلام فى ذلك التقديم، ولا يكون مقتض للعدول عنه، وذكر من ذلك أمثلة كالمفعول الأول من باب علمت، وباب أعطيت وكسوت؛ فإنه من الأول فى حكم المبتدأ ومن الأخيرين فى حكم الفاعل ولا يكون، وكتقديم المبتدأ المعرف، والفاعل على المفعول والحال والتمييز، وكتقديم المفعول الذى وصل إليه الفعل بلا واسطة على المتعدى بالحرف.

الثانى: أن تكون العناية بتقديمه لالتفات الخاطر إليه، وان كان مؤخرا فى الأصل، وجعل منه: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ (١) على القول بأن لله مفعول ثان، ومثل قوله تعالى: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى (٢) قدم فيه المجرور لاشتمال ما قبله على سوء معاملة أصحاب القرية الرسل، فكانت مظنة أن السامع يصير مفكرا أكانت القرية كلها كذلك أم قطر دان أم قاص؟ بخلاف ما فى سورة القصص، ومثل قوله تعالى فى سورة النمل: لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا (٣) لأن ما قبلها: أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا (٤) فالجهة المنظور إليها كون أنفسهم وآبائهم ترابا، وهو الموعود به، فلذلك قدم، وفى سورة المؤمنين: لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا (٥) لأن قبلها: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً (٦) فالجهة المنظور إليها كونهم ترابا وعظاما، وجعل من ذلك كون التقديم يمنع اختلال المعنى، كقوله تعالى فى سورة المؤمنين وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا (٧) بتقديم المجرور على الوصف؛ لأنه لو أخر لأخر عن الصلة وما عطف

عليها فقيل من قومه بعد: وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فلا يدرى حينئذ أنهم من قومه أو لا، بخلاف قوله تعالى: فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ (٨) جاء على الأصل لعدم المانع، وجعل منه أيضا مراعاة الفاصلة كقوله تعالى:


(١) سورة الأنعام: ١٠٠.
(٢) سورة يس: ٢٠.
(٣) سورة النمل: ٦٨.
(٤) سورة النمل: ٦٧.
(٥) سورة المؤمنون: ٨٣.
(٦) سورة المؤمنون: ٨٢.
(٧) سورة المؤمنون: ٣٣.
(٨) سورة المؤمنون: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>