للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (١) وفى الآخرى: رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٢) قال المصنف:

وفيه نظر من وجوه:

الأول: أنه جعل تقديم لله على شركاء للعناية والاهتمام، وليس كذلك؛ لأن الآية مسوقة للإنكار التوبيخى، فيمتنع أن يكون بعده وجعلوا لله، منكرا من غير اعتبار تعلقه بشركاء؛ إذ لا ينكر أن يكون مجرد الجعل متعلقا به، فيتعين أن يكون إنكار تعلقه به باعتبار تعلقه بشركاء وعكسه فلا فرق، وعلم من هذا أن كل متعد لمفعولين لم يكن الاعتبار بذكر أحدهما إلا باعتبار تعلقه بالآخر إذا قدم أحدهما على الآخر لم يصح تعليل تقديمه بالعناية قلت: الصواب مع السكاكى، وكون كل واحد من المفعولين متعلقا بالآخر، والخطاب توبيخى لا يمنع أن يكون الاعتناء بأحدهما أشد، ولا شك أن مجرد جعل الشركاء مع قطع النظر عن كونهم لله تعالى، لا يقبل التوبيخ، ومجرد جعل أمر ما لله يبتدر الذهن منه إلى الإحجام عنه لعظم المقام، فلا شك أن العناية قد تشتد بأحدهما فيقدم، وهو لم يعلل بمطلق العناية، بل بعناية خاصة. وليعلم أن هذا الكلام يخالف قوله فى حد المسند: وفائدة التقديم، أى: تقديم لله على شركاء استعظام أن يتخذ له شريك ملكا كان أم جنيا أم غيرهما، وذلك لأن هذه الفائدة لا تحصل إلا بالتقديم فتنشأ من ذلك عناية ذكر اسم الله تعالى أولا، وإن تساويا فى العناية الناشئة من الإنكار التوبيخى، ثم قال: وثانيها: أنه جعل التقديم للاحتراز عن الإخلال ببيان المعنى، أى: فى قوله تعالى: قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا (٣)،

والتقديم لرعاية الفاصلة، أى: فى قوله تعالى: رب هارُونَ وَمُوسى (٤) من القسم الثانى، وليسا منه، يريد بقوله: وليسا منه أن (من قومه) إذا قدم على الذين كفروا كان حالا من الملأ، والذين كفروا صفة لقومه، لا الملأ حتى يكون حق من قومه التأخر عنه بناء على أن حق الحال التأخير عن التوابع والمصنف فهم من كلام السكاكى أن القسم الثانى هو أن يتقدم ما حقه التأخير فلا جرم أنه لا يكون من قومه من القسم الثانى، وكذا تقديم هارون على موسى؛ لأن أحدهما معطوف على الآخر


(١) سورة طه: ٧٠.
(٢) سورة الأعراف: ١٢٢.
(٣) سورة المؤمنون: ٣٣.
(٤) سورة طه: ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>