للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقول النحاة: (إنّما) لإثبات ما يذكر بعده، ونفى ما سواه. ولصحة انفصال الضمير معه؛

ــ

منفردا، فلما كانت (ما) التى ليست لشئ من الأقسام المعروفة فى الأصل للنفى، و (إن) للإثبات قصد عند التركيب المحافظة عليهما، فلم يمكن تواردهما على شئ واحد ولم يمكن صرف النفى للمذكور فتعين عكسه، وقول النحاة: إن (ما) كافة، لا ينافى هذا؛ لأن الكف حكم لفظى لا ينافى أن يقارنه حكم معنوى، ثم إن المصنف نقل عن النحاة أنها لإثبات المذكور، ونفى ما سواه، وهو قول بعضهم لا كلهم. ومنها: أن (إن) للتأكيد و (ما) كذلك فاجتمع تأكيدان فأفاد الحصر. قاله السكاكى، ويرد عليه أنه لو كان اجتماع تأكيدين للحصر لكان قولك: إن زيدا لقائم، يفيد الحصر، وقد يجاب بأن مراده أنه لا يجتمع حرفا تأكيد متواليان إلا للحصر، ثم هو ممنوع، والتأكيد اللفظى والمعنوى كل منهما يتكرر ولا حصر. ومنها: قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ (١)، قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ (٢)، قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي (٣) فإنه إنما يحصل مطابقة الجواب إذا كانت إنما للحصر ليكون معناه لا آتيكم به، إنما يأتى به الله، ولا أعلمها إنما يعلمها الله، وأصرحها إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ لجواز أن يدعى فى غيرها أن الحصر أخذ من تعريف المبتدأ، لكن الظاهر أن من منع الحصر بإنما فهو لحصر المبتدأ فى الخبر أمنع، وكذلك قوله تعالى:

وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ (٤) وفى الآية نكتة، وهو التنبيه على أن المجازى لا يكون فعله ظلما على الحقيقة، وهذا المعنى أحسن من قول الزمخشرى أن المعنى: إنما السبيل على الذين يبتدئون الناس بالظلم. ومنها: قوله تعالى: وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي (٥) لا يستقيم المعنى إلا بالحصر. ومنها: قوله تعالى: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ (٦) إذ لو لم تكن للحصر كانت بمنزلة إن تولوا فعليك البلاغ، وهو عليه البلاغ تولوا أم لا، وإنما ترتب على توليهم نفى غير البلاغ مما قد يتوهم نسبته له صلّى الله عليه وسلّم.


(١) سورة الملك: ٢٦.
(٢) سورة هود: ٣٣.
(٣) سورة الأعراف: ١٨٧.
(٤) سورة الشورى: ٤١، ٤٢.
(٥) سورة الأعراف: ٢٠٣.
(٦) سورة آل عمران: ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>