للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الفرزدق [من الطويل]:

أنا الذّائد الحامى الذّمار وإنّما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى (١)

ــ

ومنها: انفصال الضمير بعدها فى قول الفرزدق:

أنا الذّائد الحامى الذّمار وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى (٢)

قال عبد القاهر: ولا يمكن ادعاء الضرورة فيه، فإنه متمكن أن يقول: أدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى. وأعلم أن انفصال الضمير بعد إنما فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه ضرورة، لا يجوز إلا فى الشعر، وهو المنقول عن سيبويه.

والثانى: أنه يجوز الفصل والوصل، وإليه ذهب الزجاج.

والثالث: أنه يجب الفصل، قاله ابن مالك. وقال الشيخ أبو حيان: إنه غلط فاحش، وجهل بلسان العرب، وقول لم يقله أحد، ثم رده بقوله تعالى: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ (٣) وقوله تعالى: إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ (٤) وقوله تعالى: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ (٥) وقوله تعالى: وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (٦) قال: ولو كان على ما زعم لكان التركيب: إنما يشكو بثى وحزنى أنا، وإنما يعظكم بواحدة أنا، وكذلك الجميع. قلت: لسان حال ابن مالك يتلو: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ (٣) وكلام ابن مالك هو الصواب، وليس منفردا به، وتحقيق ذلك أن ابن مالك بنى كلامه على قاعدتين: إحداهما: أن إنما للحصر، وهو الذى عليه أكثر الناس. والثانى: أن المحصور بها هو الأخير لفظا، وهذا الذى أجمع عليه البيانيون، وعليه غالب الاستعمالات، وإذا ثبتت له هاتان القاعدتان صح ما ادعاه؛ لأنك لو وصلت لما فهم، والتلبس قولك: إنما قمت موضوعة للم يقع إلا القيام، فلو أردت به ما قام إلا أنا، لم يفهم ذلك، ولا سبيل إلى فهمه إلا بأن تقول: إنما قام أنا، كما تقول: ما قام إلا أنا، وبهذا علم أنه لا يرد ما ذكره الشيخ من الآيات؛


(١) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٩١ الذمار: العهد.
(٢) البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى ديوانه: ٢/ ١٥٣، ولسان العرب (١٣/ ٣١) (أنن)، وتاج العروس (ما).
(٣) سورة يوسف: ٨٦.
(٤) سورة سبأ: ٤٦.
(٥) سورة النمل: ٩١.
(٦) سورة آل عمران: ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>