للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو قلبا؛ نحو: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا (١) فالمخاطبون - وهم الرسل، عليهم الصلاة والسّلام - لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرا، ولا منكرين لذلك؛ لكنهم نزّلوا منزلة المنكرين؛ لاعتقاد القائلين أنّ الرسول لا يكون بشرا، مع

إصرار المخاطبين على دعوى الرسالة. وقولهم: إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (٢): من باب مجاراة الخصم؛ ليعثر؛ حيث يراد تبكيته لا لتسليم انتفاء الرسالة، وكقولك: إنّما هو أخوك لمن يعلم ذلك، ويقرّ به، وأنت تريد أن ترققه عليه.

وقد ينزّل المجهول منزلة المعلوم؛ لادعاء ظهوره؛ فيستعمل له الثالث؛ نحو: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (٣)؛

ــ

المعلوم منزلة المجهول فى قصر القلب بقوله تعالى: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا (٤) فإنهم اعتقدوا أن الرسول لا يكون بشرا، فنزلوا علم الرسل بأن المرسل إليهم يعلمون أنهم بشر منزلة من لا يعلم؛ فلذلك خاطبوهم بقولهم: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ثم ذكر المصنف جواب سؤال مقدر وهو أن الرسل قد علموا أن المرسل إليهم يعلمون أنهم بشر فكيف خاطبوهم بالاستثناء فى قولهم: إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وهو إنما يخاطب به من يجهل ذلك الحكم؟ فأجاب بأنه من مجاراة الخصم؛ إذ شأن من يدعى عليه خصمه الخلاف فى أمر لا يخالف فيه أن يعيد كلام خصمه على صفته ليعثر الخصم حيث يراد تبكيته، أى: إفحامه وإسكاته، وليس ذلك لتسليم انتفاء الرسالة. وقوله: وكقولك معطوف على قوله: كقولك لصاحبك، وقد رأيت شبحا، وهو مثال لقوله قبل ذلك بخلاف الثالث، فالمثال الأول تمثيل للأول، والثانى للثانى لفا ونشرا فالثالث وهو الحصر بإنما عكس الحصر بإلا؛ فإن الحصر بإنما أصله أن يكون لمن يعلم ذلك الحكم، أى: المثبت، كقولك لمن يعلم أن زيدا أخوه: إنما هو أخوك، ترقيقا له. وقد ينزل المجهول منزل المعلوم فيستعمل له الثالث وهو الحصر بإنما نحو: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ فإن الصحابة لم يكونوا يعلمون أن الكفار يصلحون فكان من حقهم أن يقولوا: ما نحن إلا مصلحون، ولكنهم ادعوا بلسان الحال أن صلاحهم أمر ظاهر لا يستطيع أحد إنكاره؛ فلذلك أتوا بصيغة (إنما) التى الأصل فيها ذلك؛ ولذلك جاء


(١) سورة إبراهيم: ١٠.
(٢) سورة إبراهيم: ١١.
(٣) سورة البقرة: ١١.
(٤) سورة يس: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>