للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذلك جاء: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ (١)؛ للردّ عليهم مؤكّدا بما ترى.

ومزيّة (إنّما) على العطف: أنه يعقل منها الحكمان معا، وأحسن مواقعها التعريض؛ نحو: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢)؛ فإنه تعريض بأن الكفّار - من فرط جهلهم - كالبهائم، فطمع النظر منهم كطمعه منها.

ثم القصر كما يقع بين المبتدأ والخبر - على ما مر - يقع ما بين الفعل والفاعل نحو:

ما قام إلا زيد وغيرهما، ففى الاستثناء يؤخّر المقصور عليه مع أداة الاستثناء،

ــ

أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ مؤكدا بحرف الاستفتاح وبإن وبجعل الجملة اسمية، وضمير الفصل - إن كان هم فصلا - وتعريف المسند، ثم ذكر المصنف أن لإنما فى القصر مزية على العطف؛ لأنه يعلم منها الحكمان المثبت والمنفى معا، بخلاف العطف؛ فإنهما يعلمان على الترتيب. قال الخطيبى: وبخلاف ما وإلا فى نحو: ما زيد إلا قائم قلت:

فيه نظر؛ لأن الاستثناء المفرغ يعلم فيه النفى والإثبات دفعة واحدة، وهذه المزية لإنما لا يشاركها فيها التقديم، وأكثر ما تستعمل إنما فى موضع يكون الغرض بها فيه التعريض بأمر، وهو مقتضى الكلام بعد ما نحو: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ فإنه تعريض بذم الكفار، وأنهم فى حكم البهائم الذين لا يتذكرون.

ص: (ثم القصر كما يقع ... إلخ).

(ش): القصر أمر يقع بين المسند والمسند إليه، سواء أكانا مبتدأ وخبرا، أم فعلا وفاعلا، ويقع بين غيرهما كالمفعول الثانى مع الأول والحال والظرف وغير ذلك. ويرد عليه أن القصر لا يقع بين الفعل والمصدر المؤكد بالإجماع، فلا. نقول: ما ضربت إلا ضربا، وأما قوله تعالى: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا (٣) فتقديره: ظنا ضعيفا، وكذلك لا يقع القصر بين النعت والمنعوت، كما سبق فمن أمثلة القصر: ما ضرب زيد إلا عمرا قصر قلب كان أم قصر إفراد. قال تعالى: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ (٤) قال المصنف: وهذا مثال لقصر القلب، لا قصر الإفراد؛ فإنه ليس المراد لم أزد على ما أمرتنى به، بل المراد أننى قلت ما أمرتنى به.

قلت: هذا من المصنف يقتضى أن قصر القلب ليس فيه نفى لغير المذكور، وليس كذلك، والذى قاله من أن المراد أننى قلت ما أمرتنى به صحيح، ولا ينافى ذلك أن


(١) سورة البقرة: ١٢.
(٢) سورة الرعد: ١٩.
(٣) سورة الجاثية: ٣٢.
(٤) سورة المائدة: ١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>