ووجه (١) الجميع: أن النفى فى الاستثناء المفرّغ يتوجّه إلى مقدّر، وهو مستثنى منه عامّ مناسب للمستثنى فى جنسه وصفته، فإذا أوجب منه المقدّر شيء ب (إلا)، جاء القصر،
ــ
يجب تقديم الفاعل؛ لأن الغرض مضروبية زيد فى عمرو خاصة، أى: مضروب لزيد سوى عمرو، فلو قدر له مضروب آخر لم يستقم، فلو قدم المفعول على الفاعل انعكس المعنى، ولا يستقيم أن يقال: ما ضرب إلا عمرا زيد؛ لأنه لو جوز تعدد المستثنى المفرغ، كقولك: ما ضرب إلا زيدا عمرو، أى: ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا كان الحصر فيهما، والغرض الحصر فى أحدهما، فيرجع الكلام لمعنى آخر غير مقصود، وإن لم يجوز كانت المسألة ممتنعة لبقائها بلا فاعل ولا نائبه؛ لأن التقدير حينئذ ضرب زيد، وفى الثانية يكون عمرو منصوبا بفعل مقدر؛ فيصير جملتين، ولا يكون فيهما تقديم فاعل على مفعول، وقال ابن الحاجب فى أمالى الكافية: إذا قلت: ما ضرب إلا زيد عمرا، فلا يمكن أن يكون قبلهما عاملان؛ لأنه إثبات أمر خارج عن القياس من غير ثبت، ويلزم جوازه فيما فوق الاثنين، وهو ظاهر البطلان، فلذلك حكموا أن الاستثناء المفرغ إنما يكون لواحد، ويجوز: ما ضرب إلا زيد عمرا، على أن يكون عمرا منصوبا بضرب محذوفا. انتهى، قال
الوالد - رحمه الله -:
وقد تأملت ما وقع فى كلام ابن الحاجب من قوله: ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا، وقوله: إن الحصر فيهما معا، والسابق إلى الفهم أنه لا ضارب إلا زيد، ولا مضروب إلا عمرو، فلم أجده كذلك، وإنما معناه: لا ضارب إلا زيد لأحد إلا عمرا فانتفت ضاربية غير زيد لغير عمرو، وانتفت مضروبية عمرو من غير زيد، وقد يكون زيد ضرب عمرا وغيره، وقد يكون عمرو ضربه زيد وغيره، وإنما المعنى نفى الضاربية مطلقا عن غير زيد، ونفى المضروبية مطلقا عن غير عمرو، وإذا قلنا: وقع ضرب إلا من زيد على عمرو، والفرق بين نفى المصدر ونفى الفعل أن الفعل مسند إلى فاعل، فلا ينتفى عن المفعول إلا ذلك القيد، والمصدر ليس كذلك، بل هو مطلق فينتفى مطلقا إلا الصورة المستثناة منه بقيودها، والذى يظهر أنه لا يجوز استثناء شيئين بأداة، بلا خلاف كما لا يكون للفعل فاعلان.
ص:(ووجه الجميع ... إلخ).
(ش): هذا الكلام لا يناسب هذا الفصل؛ فإن هذا الفصل يتعلق بما بعد أداة القصر وجاءت هذه القطعة فاصلة، قال: وجه الجميع، أى: الحصر فى جميع صور
(١) أى السبب فى إفادة النفى والاستثناء فيما بين المبتدأ والخبر والفاعل والمفعول وغير ذلك.