للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إنما يكون فى سنن لا يستلزم الاستفهام عن أحدهما الاستفهام عن الآخر، ولا شك أن قولك: أقام يفهم ما يفهمه قولك: أم لم يقم من التردد فى القيام، ويشهد لما قلناه قول الزمخشرى فى قوله تعالى أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ (١) أن أم فيه متصلة، وأن المعنى: أفلا تبصرون أم أبصرتم. وقد نقل ابن عطية وغيره هذا التقدير عن سيبويه، فإن توهم متوهم أنه لا يصح قولنا: أقام أم لم يقم، لعدم فائدة ذكر أم، فهذه الآية الكريمة بتفسير سيبويه والزمخشرى قاطعة لتوهمه، ثم له من الفائدة تعيينه لطلب التصديق، وقد يقال: كيف تكون أم فيه متصلة، وقد قلتم: إن أقام زيد معناه: أم لم يقم، وأنه استفهام تصديق؟ فإذا صرح بهذا المعنى فقيل: أم لم يقم، كيف ينقلب استفهام تصور كما سبق؟ وإذا قلت: زيد أم عمرو قائم فلا يخفى أنها متصلة، وأنه استفهام تصور عن المسند إليه، وإذا قلت: أقائم أم قاعد زيد فاستفهام عن المسند للتصور، وهى متصلة، وإذا قلت: أزيدا أم عمرا ضربت، فمتصلة وهو استفهام عن تصور المفعول، هذا كله إذا ذكرت أم، فإن لم تذكر فقلت: أقام زيد احتمل أن تكون لطلب التصديق، وأن تكون لطلب تصور المسند، وأن تكون لطلب تصور المسند إليه؛ لأن ذلك قد يصدر من متردد فى وقوع قيام زيد، ومن جازم بوقوع قيام، ويشك فى المسند إليه، ومن جازم بوقوع فعل من زيد، ويشك أنه القيام أو لا، فالمعنى على الأول: أقام أو لا، وعلى الثانى:

أقام زيد أم عمرو، وعلى الثالث: أقام زيد أم قعد، وكذلك أزيد قائم، غير أن الظاهر أن الاستفهام عن التصديق؛ لأن النسب هى الجديرة بالاستفهام؛ ولذلك كان إيلاء الفعل لهمزة الاستفهام وتأخير الاسم أولى من العكس، إذا تقرر ذلك فلنلحقه بفائدة وهى الاستفهام عن التصديق، هل يكون المطلوب به الثبوت أو الانتفاء؟ قال ابن مالك فى المصباح: الاستفهام طلب ما فى الخارج أن يحصل فى الذهن من تصور أو تصديق موجب، قيل: أو منفى، فحكى قولين فى أن استفهام التصديق يستفهم به عن النفى أو لا، وكأنه أشار بقوله: قيل إلى ما ذكرناه عن المفتاح، ولعله فهم أن الاستفهام عن التصديق تارة يطلب به الثبوت، وتارة يطلب به الانتفاء، والذى يظهر والله أعلم أن هذا

ليس مراده، فإن الاستفهام لا يطلب به الثبوت ولا الانتفاء، وإنما يطلب به


(١) سورة الزخرف: ٥١، ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>