للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأن الجنسية شاملة، قال تعالى: فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (١) أى: أى جنس خطبكم؟

فكان جوابهم بعين جنسهم، وهو قولهم: إِنَّا أُرْسِلْنا (٢)، ويسأل بما عن الوصف، تقول: ما زيد؟ وجوابه: كريم أو

فاضل، وبمن عن الجنس من ذوى العلم، تقول: من جبريل؟ أى إنسىّ أم ملك؟ قال فرعون: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٣) أى: من أى جنس؟

قال المصنف: وفيه نظر، يريد أنه لا يقال فى جواب: من زيد؟ هو بشر، ونحوه كذا ادعاه، قيل: وهو ممنوع، بل يقال فى جوابه ذلك، قلت: لعل المصنف لاحظ أن" من" إنما تستعمل لما يعقل والجنس الكلى ليس بعاقل؛ لأنه حقيقة كلية، ولا يسأل عنه بمن؛ ولذلك قال النحاة: إنه حيث أريد الجنس يؤتى بما، وقال بعض شراح المفتاح: إنه يسأل" بمن" عن الجنس أى الحقيقة، والحقيقة أعم من المطلقة والمقيدة، فإذا قيل: من فلان؟

فالسؤال عن الحقيقة المقيدة بالشخص، فيجاب بالحقيقة المشخصة، كما يقال: إنه بشر، صفته كيت وكيت، فيصح الجواب بنحو: جنى أو بشر، لا مطلقا بل مقيدا، فالمثال الذى أورده صاحب الإيضاح ليس منافيا لما قاله صاحب المفتاح، والذى قاله فى الإيضاح: إنه يجاب بزيد صحيح، لأن معنى زيد البشر المتصف بصفات معينة. انتهى. ولا يرتاب أن" من" يسأل بها عن المشخص كما قال المصنف، ويدل عليه قراءة بعضهم: مِنْ فِرْعَوْنَ (٤) على قراءة الرفع وقوله صلّى الله عليه وسلّم:" من أنا" (٥) وهو سؤال عن الصفات، وقد وقع السؤال بها عن الاسم، كحديث الإسراء:" من أنت؟ قال: أنا جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلّى الله عليه وسلّم" (٦)، وقيل: إنما نظر فيه من جهة أن قوله: يسأل بما عن الجنس، وعن الوصف يخرج عنه السؤال عن النوع وعن الحد وفيه نظر؛ لأنه إنما أراد بالجنس الكلى، وهو أعم من الجنس والنوع، يدل عليه أنه جعل من جبريل سؤالا عن الجنس، وقال: إن جوابه يصح بأن يقال: بشر، وهو نوع لا جنس، ويحتمل أن يكون نظر فيه من جهة قول السكاكى إنه يسأل بما عن الوصف، فإن المنطقيين قالوا: لا يسأل عن الصفات المميزة بما، بل يسأل عنها بأى، وإنما يسأل بما عن مفهوم اللفظ، وعن حقيقة الشئ؛ ولذلك انفرد


(١) سورة الذاريات: ٣١.
(٢) سورة الذاريات: ٣٢.
(٣) سورة طه: ٤٩.
(٤) سورة الدخان: ٣١.
(٥) سبق تخريجه.
(٦) هذا حديث الإسراء أخرجه بطوله البخارى فى" الصلاة"، باب: كيف فرضت الصلوات فى الإسراء، (١/ ٥٤٧)، ومسلم فى" الإيمان"، (ح ١٦٣)، عن أبى ذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>