للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتعجّب؛ نحو: ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ (١)، والتنبيه على الضلال؛ نحو: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢)، والوعيد؛ كقولك لمن يسئ الأدب: ألم أؤدّب فلانا؟ إذا علم المخاطب ذلك، والتقرير بإيلاء المقرّر به الهمزة؛ كما مر (٣)،

ــ

يشارك الاستفهام فى أن التعجب مما خفى سببه والاستفهام يكون عما خفى نحو: ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ وتقول: أى رجل هو، للتعجب، ومن ذلك التنبيه على ضلال المخاطب نحو: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ وجعله السكاكى من استفهام التوبيخ والإنكار، ومنه قول أبى عمرو بن العلاء للأصمعى: أين عزب عنك عقلك؟ ومن ذلك الوعيد كقولك لمن يسئ الأدب: ألم أؤدب فلانا؟ إذا كان عالما بذلك، ومن ذلك التقرير، وسيأتى تحرير حقيقته، وقد جعل منه السكاكى على ما يوجد فى بعض نسخ المفتاح قوله تعالى:

أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي (٤) وهو مشكل؛ لأن ذلك لم يقع منه، وسيأتى حل هذا الإشكال فى آخر الكلام - إن شاء الله تعالى -.

ثم يكون المقرر به تاليا للهمزة، كما مر من أن المستفهم عنه ما يلى الهمزة، وقد تقدم ما عليه من الأسئلة، فإن أردت التقرير بالجملة، قلت: أفعلت؟ وإن أردت التقرير بالمفعول قلت: أزيدا ضربت؟ وإن أردت التقرير بالفاعل قلت: أأنت فعلت؟ فإن قلت:

لو كان الاستفهام فيه عن الفاعل لاستدعى العلم بالنسبة فى قوله تعالى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ وهو القول والقول مفعوله اتخذونى، فهو قول لا يمكن صدوره من عيسى صلّى الله عليه وسلّم، وهو لم يقله، فلم يقع التصديق بأصل النسبة فلا تكون صورة الاستفهام هنا عن الفاعل، وإنما قلنا: صورة الاستفهام، لأنه لا يخفى أن الاستفهام هنا ليس على حقيقته، قلت:

قد قيل: اتخذوا عيسى إلها، وهذا القول لو صدر عنه لكان التعبير عنه باتخذونى، فعبر به فى الاستفهام، فأصل النسبة معلوم بهذا الاعتبار.

قال فى الإيضاح: وذهب الشيخ عبد القاهر والسكاكى وجماعة فى قوله تعالى:

قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٥) إنه من هذا الباب لأنهم لم يستفهموا هل وقع كسر الأصنام؟ بل أرادوا أن يقر بكونه قد فعله، فإنما سألوا عن الفاعل؛ ولذلك أشاروا إلى الفعل بقولهم: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا ولذلك: قالَ بَلْ فَعَلَهُ


(١) سورة النمل: ٢٠.
(٢) سورة التكوير: ٢٦.
(٣) فى حقيقة الاستفهام من إيلاء المسئول عنه الهمزة.
(٤) سورة المائدة: ١١٦.
(٥) سورة الأنبياء: ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>