للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإنكار كذلك؛ نحو: أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ (١)؛ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا (٢)؛ ومنه: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ (٣) أى: الله كاف عبده؛ لأنّ إنكار النفى نفى له، ونفى النفى إثبات؛

ــ

كَبِيرُهُمْ هذا (٤) ولو كان التقرير بالفعل لكان الجواب: فعلت أو لم أفعل، وفيه نظر؛ لجواز أن تكون الهمزة فيه على أصلها؛ إذ ليس فى السياق ما يدل على أنهم كانوا عالمين بأنه - عليه السّلام - هو الذى كسر أصنامهم. انتهى.

قلت: ما نقله عن عبد القاهر والسكاكى إنما هو تقرير لكون المقرر به هو الفاعل لا الفعل، وهذا لا يناسب قولهما: لو كان التقرير بالفعل لكان الجواب: فعلت أو لم أفعل، ولا يناسب أيضا ذكر هذا بعد قوله: المقرر به ما يلى الهمزة، وعلى كل تقدير فقول المصنف: إذ ليس فى السياق أنهم كانوا عالمين فيه نظر، أما أولا فلأن الدليل لا ينحصر فيما تضمنه السياق، وهم كانوا كفارا، ولم يكن فيهم من يقدم على كسر أصنامهم، وأما ثانيا فلقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ فإن" بل" فى الغالب إذا وقعت الجملة بعدها كانت إضرابا عما قبلها على وجه الإبطال له، ولو كانت استفهاما محضا قصد إبطاله بالنفى كأنهم قالوا له: أأنت فعلت؟ فقال: لم أفعل، بل فعله كبيرهم، وأما ثالثا فبالقرائن السابقة مثل: لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ (٥)، قولهم: قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ (٦). قال الخطيبى: ولو سلم فلا يلزم من عدم علمهم مدعى المصنف؛ لأنه ما ادعى لزوم عدم العلم، بل ادعى عدم لزوم العلم. وقوله: (والإنكار كذلك) أى: فى إيلاء المنكر الهمزة نحو: أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ فالمنكر هنا المفعول، وهو غير الله عز وجل، لا نفس الدعاء، وقد يكون المنكر الفعل كقوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ، فالمنكر عدم كفاية الله عبده.

قوله: (لأن نفى النفى إثبات) يعنى أن الإنكار إذا دخل على النفى كان لنفى النفى، وهو إثبات، ولذلك قيل: إن أمدح بيت قالته العرب:

ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح

نقله ابن الشجرى فى أماليه، ولولا صراحته فى تقدير المدح لما قيل ذلك.


(١) سورة الأنعام: ٤٠.
(٢) سورة الأنعام: ١٤.
(٣) سورة الزمر: ٣٦.
(٤) سورة الأنبياء: ٦٣.
(٥) سورة الأنبياء: ٥٧.
(٦) سورة الأنبياء: ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>