للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتهويل؛ كقراءة ابن عباس - رضى الله عنه -: وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ (١) بلفظ الاستفهام، ورفع فرعون خ خ؛ ولهذا قال: إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٢)، والاستبعاد؛ نحو: أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ (٣)

ــ

لا تنه عن خلق وتأتى مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم

وليس منه: لا تأكل السمك وتشرب اللبن فى المعنى؛ لأن كلا منهما على انفراده ليس مذموما، بل المذموم مجموعهما، وكل منهما جزء علة.

قلت: لا يرتاب فى أن فعل المعصية مع النهى عنها أفحش؛ لأنها تجعل حال الإنسان كالمتناقض، وتجعل القول كالمخالف للفعل؛ ولذلك كانت المعصية مع العلم أفحش منها مع الجهل، ولكن الجواب عن قوله: إن الطاعة الصرفة كيف تضاعف المعصية المقارنة لها من جنسها فيه دقة، ومن ذلك التهويل كقراءة ابن عباس: وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ بلفظ الاستفهام ورفع فرعون؛ ولذلك قال تعالى: إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ فذكر ذلك عقبه يرشد لإرادة التهويل؛ ولذلك قال تعالى: وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (٤) وفى الصحيحين عن ابن عباس - رضى الله عنهما - فى" مرض رسول الله يوم الخميس" (٥) إلى آخره.

والتعظيم قريب من التهويل، ومن ذلك الاستبعاد مثل قوله تعالى: أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، أى: يستبعد ذلك منهم بعد أن جاءهم الرسول ثم تولوا عنه.

هذا ما ذكره المصنف فى التلخيص، وزاد فى الإيضاح أنه قد يراد به التعجب والتوبيخ معا، كقوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ (٦) وزاد أيضا الأمر نحو قوله تعالى:

فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٧)، وقوله تعالى: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٨).


(١) سورة الدخان: ٣٠ - ٣١.
(٢) سورة الدخان: ٣١.
(٣) سورة الدخان: ١٣ - ١٤.
(٤) سورة القارعة: ١٠.
(٥) الحديث أخرجه البخارى فى" الجهاد والسير"، باب: هل يستشفع أهل الذمة؟ ومعاملتهم، (٣٠٥٣)، ومسلم فى" الوصية"، (ح ١٦٣٧).
(٦) سورة البقرة: ٢٨.
(٧) سورة الأنبياء: ١٠٨.
(٨) سورة القمر: ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>