للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتهكم؛ نحو: أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا (١)، والتحقير؛ نحو: من هذا؟

ــ

قال المصنف: وفيه نظر؛ لأنه إن أراد أن الاسم إذا كان مظهرا وولى الهمزة لا يفيد توجه الإنكار إلى كونه فاعلا لما بعده، فممنوع، وإن أراد أنه يفيد ذلك إن قدر تقديم وتأخير وإلا فلا على ما ذهب إليه، فهذه الصورة مما منع هو ذلك فيها. انتهى.

يعنى فيلزم أن لا يحصل الإنكار فى نحو:" أأنت فعلت" على شئ من التقادير عنده، ولا شك أن كلامه مشكل؛ فإن التقديم والتأخير لا تعلق له بكون المنكر أو المستفهم عنه الاسم الذى يلى الهمزة مقدر التقديم والتأخير أم لا، ومن ذلك التهكم نحو قوله: قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا، وقد تقدم تفسير التهكم فى باب المسند إليه، وقد قيل: إن تقدير الآية: تأمرك أن تأمر أن نترك؛ لأن الشخص لا يطالب بفعل غيره، ومن ذلك التحقير كقولك:" من هذا" و" ما هذا"؟ فإن قلت: المنكر ما يلى الهمزة على ما تقرر، والذى يليها فى قوله تعالى: أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ (٢) الإصفاء بالبنين وليس هو المنكر، إنما المنكر قولهم: إنه اتخذ من الملائكة إناثا، قلت: إما أن يقال:

إن لفظ الإصفاء يشعر بزعم أن البنات لغيرهم، وإما أن يقال: المراد مجموع الجملتين ينحل منهما كلام واحد، التقدير: جمع بين الإصفاء بالبنين واتخاذ البنات، وتكون الواو فيه لمعية؛ لأن زعمهم لمجموع الجملتين أفحش من اقتصارهم على واحدة منهما، وإن كانت فاحشة، فإن قلت: فقوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ (٣) لا جائز أن يكون المنكر أمر الناس بالبر كما تقتضيه قاعدة أن ما يلى الهمزة هو المنكر، ولا أن يكون المنكر نسيان النفس فقط؛ لأنه يصير ذكر أمر الناس بالبر لا مدخل له، ولا مجموع الأمرين؛ لأنه يلزم أن تكون العبادة

جزء المنكر، ولا نسيان النفس بشرط الأمر؛ لأن النسيان منكر مطلقا، ولا يكون نسيان النفس حال الأمر أشد منه حال عدم الأمر؛ لأن المعصية لا تزداد شناعتها بانضمامها إلى الطاعة؛ لأن جمهور العلماء على أن الأمر بالبر واجب، وإن كان الإنسان ناسيا لنفسه، وأمره لغيره بالبر كيف يضاعف معصية نسيان النفس؟! ولا يأتى الخير بالشر، وقريب منه فى المعنى قوله:" إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث" (٤) فإن الرفث مذموم مطلقا. ومنه قول الشاعر:


(١) سورة هود: ٨٧.
(٢) سورة الإسراء: ٤٠.
(٣) سورة البقرة: ٤٤.
(٤) أخرجه البخارى فى" الصوم"، باب: هل يقول: إنى صائم إذا شئتم، (١٤/ ١٤١)، (ح ١٩٠٤)، ومسلم فى" الصيام"، (ح ١١٥١). عن أبى هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>