للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإنكار: إمّا للتوبيخ، أى: ما كان ينبغى أن يكون؛ نحو: أعصيت ربّك؟ أو لا ينبغى أن يكون؛ نحو: أتعصى ربّك؟ أو للتكذيب، أى: لم يكن؛ نحو:

أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ (١)، أو لا يكون؛ نحو: أَنُلْزِمُكُمُوها (٢)

ــ

أحدهما: يراد به التوبيخ، وهو من أنكر عليه إذا نهاه، أى ما كان ينبغى أن يكون هذا نحو: أعصيت ربك؟ أى: بمعنى لا ينبغى أن يكون، كقولك للرجل يركب الخطر: أتركب فى غير الطريق؟ والغرض منه الندم على ماض والارتداع عن مستقبل، ويقال: أين مغيبك للتوبيخ والتقريع؟ قال تعالى: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٣) وضابط هذا القسم أن يكون ما يلى الهمزة فيه واقعا، لكنه مستقبح. الثانى: للتكذيب، وضابطه أن يكون ما يلى الهمزة فيه غير واقع وقصد تكذيبهم فيه، وسواء أكان زعمهم له صريحا مثل: أَفَسِحْرٌ هذا (٤)، أم إلزاما مثل: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ (٥) فإنهم لما جزموا بذلك جزم من شاهد خلق الملائكة كانوا كمن زعم أنه شهد خلقهم، وتسمية هذا استفهام إنكار من أنكر إذا جحد، وهو إما بمعنى لم يكن كقوله تعالى: أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً أو بمعنى لا يكون، نحو: أَنُلْزِمُكُمُوها، وقوله:

أأترك إن قلّت دراهم خالد ... زيارته إنّى إذا للئيم

ويقال: متى قلت للجحد، وحمل الزمخشرى تقديم الاسم فى قوله تعالى: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وقوله تعالى: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ (٦) على أن المعنى: أفأنت تقدر على إكراههم على سبيل القصد؟ أى: إنما يقدر على ذلك الله، ولم يقدر السكاكى فيه تقديما، بل جملة على الابتداء دون تقدير التقديم كما هو أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما فى: أنا قمت، فلا يفيد غير تقوى الحكم، ونقل فى الإيضاح عن السكاكى أنه قال: إياك أن تغفل عما سبق فى: أنا ضربت من احتمال الابتداء، واحتمال التقديم، وتفاوت المعنى بينهما، فلا تحمل قوله تعالى: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ (٧) على التقديم، فليس المراد أن الإذن ينكر من الله دون غيره، ولكن احمله على الابتداء مرادا به تقوية حكم الإنكار.


(١) سورة الإسراء: ٤.
(٢) سورة هود: ٢٨.
(٣) سورة القصص: ٦٢.
(٤) سورة الطور: ١٥.
(٥) سورة الزخرف: ١٩.
(٦) سورة الزخرف: ٤٠.
(٧) سورة يونس: ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>