للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

طلب الفهم، ولكن طلب فهم المستفهم أو طلب وقوع فهم لمن يفهم كائنا من كان، فإذا قال: من يعلم قيام زيد لعمرو بحضور بكر الذى لا يعلم قيامه: هل قام زيد؟ فقد طلب من المخاطب الفهم أعنى فهم بكر، إذا تقرر هذا، فلا بدع فى صدور الاستفهام ممن يعلم المستفهم عنه، وإذا سلمت ذلك انزاحت عنك شكوك كثيرة، وظهر لك أن الاستفهامات الواردة فى القرآن لا مانع أن يكون طلب الفهم فيها مصروفا إلى غير المستفهم عنه، فلا حاجة إلى تعسفات كثير من المفسرين، وبهذا انجلى لك أن الاستفهام التقريرى بهذا المعنى حقيقة، وأن قوله تعالى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي (١) حقيقة، فإنه طلب به أن يقر بذلك فى ذلك المشهد العظيم تكذيبا للنصارى وتحصيلا لفهمهم أنه لم يقل ذلك، وهذا ما قدمنا الوعد به فى قوله تعالى: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢). فإن قلت: المقرر به هو ما يلى الهمزة، كما تقرر؛ فيلزم أن يكون طلب منه أن يقر بأنه قال ذلك، وهذا لم يطلب، بل طلب منه أن يقر بالواقع، والواقع أنه لم يقل: قلت: بل المطلوب منه أن يقر بالأمر الواقع، ولا ينافى هذا قولهم: إن المقرر به هو ما يلى الهمزة؛ فإن المراد أن المقرر به هو الفاعل، وتقديره: أَأَنْتَ فَعَلْتَ (٣) أم غيرك؟ فقد طلب منه أن يقر بالفاعل منه ومن غيره، وهذا معنى قولهم: إن المستفهم عنه ما يلى الهمزة، وإن كان المستفهم عنه فى قولك: أزيد قائم أم عمرو، كلا من زيد وعمرو، ولكن مقصودهم ما يليها من مسند مع معادلة أو مسند إليه، كذلك وقد انجلى لك بهذا قول

السكاكى: إن ذلك استفهام تقرير، بعد أن كان فى غاية البشاعة، واتضح لك إمكان حمل الاستفهامات الواردة فى القرآن على حقيقتها مع تنزيه البارئ عز وجل عن أن يطلب الفهم لنفسه تبارك وتعالى، وهذا ما قدمت الوعد.

وأما استفهام الإنكار فقد يكون الاستفهام به لطلب فهم السامعين لذلك الشئ المنكر فينكرونه. وأما التهكم فقد يكون فيه الاستفهام أيضا مصروفا إلى المخاطب. وأما التحقير فقد يكون استفهاما بمعنى أن ذلك وصل فى الحقارة إلى أن لا يعلم حقيقته فيستفهم عنه. وأما الاستبعاد فيمكن فيه ما سبق فى التنبيه على الضلال. والأمر يجوز أن يكون مفهوما مع بقاء قصد إفهام الناس حالهم، وطلب نطقهم بذلك.


(١) سورة المائدة: ١١٦.
(٢) سورة التكوير: ٢٦.
(٣) سورة الأنبياء: ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>