إذ به تعرف دقائق العربية وأسرارها، وتكشف عن وجوه الإعجاز فى نظم القرآن أستارها،
ــ
أَنْفُسِكُمْ (١) على قراءة فتح الفاء أى من النوع الأنفس، ولا يكون من النوع الأول؛ لأنه ليس له من يساويه فى النفاسة، فلو أراد ذلك المعنى لقال: أنفسكم دون" من" فليتنبه لهذه الدقيقة.
وعبارة السكاكى: أن هذا أعظم العلوم، وكأن المصنف أتى بمن خلافا له، وقد يوجه كلام السكاكى بأنه إذا كانت وجوه الإعجاز لا تدرك إلا بهذا العلم - كما ادعوه - صدق أنه أعظم العلوم؛ لتأديته إلى علم الأصول الشرعية، وقوله:(وأدقها سرا) سيأتى بيانه، وأتى المصنف بالطباق لمضادة الأجل للأدق، ثم شرع فى تعليل ذلك فقال:
ص:(إذ به تعرف دقائق العربية وأسرارها، ويكشف عن وجوه الإعجاز فى نظم القرآن أستارها).
(ش): اعلم أن علم العربية على ما قال الزمخشرى، يرتقى إلى اثنى عشر علما، غير أن أصولها أربعة: اثنان يتعلقان بالمفردات هما: اللغة، والتصريف، ويليهما الثالث وهو: علم النحو، فإن المركبات هى المقصود منه، وهى كالنتيجة لهما، ثم يليها علم المعانى، ولعلك تقول: أى فائدة لعلم المعانى فإن المفردات والمركبات علمت بالعلوم الثلاثة، وعلم المعانى غالبه من علم النحو؟ كلا إن غاية النحوى أن ينزل المفردات على ما وضعت له، ويركبها عليها، ووراء ذلك مقاصد لا تتعلق بالوضع مما يتفاوت به أغراض المتكلم على أوجه لا تتناهى، وتلك الأسرار لا تعلم إلا بعلم المعانى، والنحوى وإن ذكرها فهو على وجه إجمالى يتصرف فيه البيانى تصرفا خاصا لا يصل إليه النحوى وهذا كما أن معظم أصول الفقه من علم اللغة، والنحو، والحديث، وإن كان مستقلا بنفسه.
واعلم أن علمى أصول الفقه والمعانى فى غاية التداخل؛ فإن الخبر والإنشاء اللذين يتكلم فيهما علم المعانى، هما موضوع غالب الأصول، وإن كل ما يتكلم عليه الأصولى من كون الأمر للوجوب، والنهى للتحريم، ومسائل الأخبار، والعموم والخصوص،