وكان القسم الثالث من مفتاح العلوم الذى صنّفه الفاضل العلّامة أبو يعقوب يوسف السّكّاكى أعظم ما صنّف فيه من الكتب المشهورة نفعا؛ لكونه أحسنها ترتيبا، وأتمّها تحريرا، وأكثرها للأصول جمعا، ولكن كان غير مصون عن الحشو والتطويل والتعقيد؛ قابلا للاختصار مفتقرا إلى الإيضاح والتجريد -:
ــ
والإطلاق والتقييد، والإجمال والتفصيل، والتراجيح، كلها ترجع إلى موضوع علم المعانى.
وليس فى أصول الفقه ما ينفرد به كلام الشارع عن غيره، إلا الحكم الشرعى، والقياس، وأشياء يسيرة.
وقوله:(تكشف) فيه ترصيع مع قوله: (تعرف) وفيه ترشيحان لاستعارة الوجوه:
ترشيح سابق، وهو تكشف، ولا حق وهو أستارها، فهى استعارة مرشحة؛ لاقترانها بما يلائم المستعار منه، وهذه تدخل فى عبارة المصنف، حيث قال فى الاستعارة: إنها تسمى مرشحة إذا اقترنت. والسكاكى إنما قال: إذا عقبت بما يلائم المستعار منه، فلا يدخل فيه ترشيحها قبلها، إلا بتأويل كلام السكاكى - كما ستراه - وإنما يكون ذلك استعارة ذات ترشيحين، إن كان الوجوه استعارة. ويحتمل أن يراد بوجوه الإعجاز ضروبه وأنواعه، وقدم قوله:(به) ليفيد الاهتمام. فإن قلت: أين كان هذا العلم فى زمن الصحابة الذين يعرفون أسرار العربية، وانكشف لهم
أوجه الإعجاز؟ قلت: كان مركوزا فى طبائعهم.
وقوله:(أسرارها وأستارها) فيه جناس لاحق؛ لاختلاف الكلمتين بحرف واحد، والنظم: ترتيب الكلمات على حسب ترتيب المعانى فى النفس كما ذكره عبد القاهر.
ص:(وكان القسم الثالث ... إلخ).
(ش): لا شك أن المفتاح جدير بما ذكره، والمراد بالترتيب: أن يجعل للشئ المتعدد هيئة، بحيث يعتبر بعضها بالنسبة إلى بعض بالتقدم والتأخر والأصول قواعد هذا العلم، والحشو: ذكر ما لا حاجة لذكره، وهو قريب من التطويل، وسنتكلم عليه فى بابه.
والتعقيد: ما يحصل من عدم تهذيب العبارة. وقوله:(مفتقرا إلى الإيضاح) أى ليزول ما نسبه إليه من التعقيد، وتبعد إرادة كتابه الإيضاح؛ لأنه إنما صنفه، وسماه بالإيضاح بعد هذا المختصر، وأيضا هو يريد ذكر الحامل على التلخيص، فلو أراد أن المفتاح محتاج لكتاب الإيضاح، لما ناسب قوله مختصرا. ووصف التلخيص بكونه مختصرا لا ينفى أن يحصل به الإيضاح فقد يحصل من تقصير العبارة وضوح لا يحصل بتطويلها. وقوله:(والتجريد يعود إلى الحشو)، وقوله:(الاختصار يعود إلى التطويل) ففيه لف، ونشر غير مرتب.