للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتهديد؛ نحو: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ (١)، والتعجيز؛ نحو: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (٢)،

ــ

الحقيقى؟ ولا أدرى ما الذى منع أن يجالس كلا وحده إذا أتى بالواو، وهى لا تدل على المعية؟ نعم لو كانت مجالسة الحسن وابن سيرين حراما فقال: جالس الحسن أو ابن سيرين، قلنا: إنها للإباحة بمعنى أنه أباح مجالسة أحدهما؛ لأنه أمر بها، والأمر بعد الحظر للإباحة على الصحيح، والعلاقة بين الإباحة والطلب أن كلا منهما مأذون فيه، ولا يقال: الجزئية؛ لأن المباح جنس للواجب على قول فإن كلامنا فى المباح المستوى الطرفين، وليس جنسا للواجب فتأمل ذلك فقد غلط فيه الأكابر، ثم قولهم: الشئ إن كان أصله على التحريم، ثم أمر به فأو للتخيير، مثل: خذ من مالى درهما أو دينارا، وإن لم يكن فهو للإباحة، مثل: جالس الحسن أو ابن سيرين كلام عجيب؛ فإن الإباحة فى جالس الحسن أو ابن سيرين ليست من اللفظ، وكذلك التحريم فى خذ درهما أو دينارا، بل من خارج فحينئذ كل من هذين المثالين كالآخر يقتضى إباحة أحدهما، والتخيير، وأما إباحة الأخذ من أحدهما، وامتناع ذلك فى المثال الآخر فليس من اللفظ، ثم إن الأصوليين قاطبة فسروا الإباحة بالتخيير، وإن كان التحقيق خلافه فإن الإباحة إذن فى الفعل، وإذن فى الترك ينظم إذنين معا، والتخيير إذن فى أحدهما لا بعينه.

الثانى: التهديد مثل: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ وفيه خروج عن الإنشاء، فإن التهديد خبر دل على إرادته القرينة والعلاقة فيه المضادة؛ ولذلك لا يمكن إرادة الإيجاب، والتهديد بصيغة واحدة، وإن جوزنا استعمال اللفظ فى حقيقته ومجازه أو فى معنييه الحقيقيين، وهذا أحسن ما يمثل به لقولنا: شرط استعمال المشترك أو الحقيقة والمجاز فى معنييهما عدم التضاد، أى: عدم تضاد الاستعمالين، لا عدم تضاد المعنيين.

الثالث: التعجيز كقوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ إذ ليس المراد طلب ذلك منهم، قال بعضهم: لأنه محال، قلت:

التكليف بالحال جائز على الصحيح، لكن القرائن تفيد القطع بعدم إرادة هذا؛ فإنه غير مناسب لما هو المقصود قطعا من التعجيز، والعلاقة فيه أيضا المضادة، وهو أيضا خبر بعجزهم دلت على إرادته القرينة.


(١) سورة فصلت: ٤٠.
(٢) سورة البقرة: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>