للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أى: ما بالك عليلا؛ أو: ما سبب علّتك؟

وإمّا عن سبب خاص؛ نحو: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ (١)؛ كأنه قيل: هل النفس أمّارة بالسوء؟ وهذا الضرب يقتضى تأكيد الحكم؛ كما مر (٢).

ــ

يقتضى تأكيد الحكم كما سبق فى أحوال الإسناد فإن الخطاب طلبى فلذلك أكد بإن فإن قلت: لأى شئ كان السؤال فى البيت لطلب السبب العام، وفى الآية: لطلب السبب الخاص؟ ولأى شئ قدر السؤال فى الأول بما التى هى لطلب التصور، وفى الثانى بهل التى هى لطلب التصديق؟ ولأى شئ لم يكن هذا القسم الاستئنافى كله خطابا طلبيا فيؤكد دائما كما سبق؟ (قلت): أما الأول فلأنا إنما نقدر من السؤال ما دلت عليه الجملة السابقة والذى دل عليه قوله:" عليل" وقوع العلة المستدعية لسبب ما، فلا نزيد فى السؤال المقدر عنه فنقدر ما سبب علتك؟ ليكون طلبا لتعيين السبب ولو قلت: هل سبب علتك موجود؟ لما صح؛ لأن ذلك معلوم الوجود والذى دلت عليه الجملة الأولى فى الآية الكريمة عدم تبرئة النفس، وذلك صريح فى اعتقاد المتكلم أنها أمارة بالسوء؛ لأن عدم تبرئة النفس لا سبب له فى مثل ذلك المقام إلا كونها أمارة بالسوء فلا شك أن الجملة الأولى أشارت إلى اعتقاده أن النفس أمارة بالسوء، ولكنه لما لم يكن بالصريح فربما تشكك السامع فى وقوع هذه النسبة فلذلك راجع المتكلم وقال: هل النفس أمارة بالسوء؟ أى: كما اقتضاه كلامك أولا فهو طلبى فى معنى الإنكارى؛ فلذلك أكد بإن واللام، وبهذا ظهر جواب الثانى، وأما جواب الثالث؛ فلأن ما تقدم من التأكيد فى الخطاب الطلبى والإنكارى شرطه أن يكون الاستفهام فيه عن التصديق لا عن التصور، وكذلك نقول فى هذا الباب كله: حيث دلت الجملة الأولى على سؤال تصديقى تأتى الثانية مؤكدة وإلا فلا وإنما شرطنا التصديق فى الطلبى لأن التأكيد بإن إنما يكون للنسبة لا لأحد الطرفين.

بقى فى كلام المصنف اعتراض آخر: وهو أنه قد يقال: أنا عليل يستدعى سؤالا وهو ما ترتب على علتك فأجاب: سهر دائم، وعلى هذا فلا يكون سؤالا عن السبب بل يكون من القسم الثالث، واعتراض آخر: وهو أنه جعل هذا من

السؤال عن السبب العام وليس ذلك سؤالا عن العام؛ لأن العام معلوم وإنما هو سؤال عن تعيين


(١) يوسف: ٥٣.
(٢) أى فى أحوال الإسناد الخبرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>