هذه الجملة غير مأمور بمعناها، بل هى إما خبر مستأنف أو حال مقدرة، والحال المقدرة لا يجب فيها ذلك، بل معناها إذا كانت حالا من فعل مأمور به أنه مأمور بذلك الفعل صائرا عاقبته إلى تلك الحال فترجع إلى معنى الخبر، لكن بينهما فرق فإن الخبر يقتضى الإخبار بأنهم الآن وقت الخطاب على صفة العداوة والحال لا يقتضى ذلك، بل يقتضى أن مصيرهم أن يكونوا متعادين إما وقت الهبوط إن كانت مقارنة أو بعده إن كانت مقدرة، ثم العداوة لا يمكن أن تكون مأمورا بها؛ لأنها ليست من فعل الشخص ولا يمكنه تحصيلها إلا بتعاطى أسبابها على بعد، فالمراد أن الله تعالى خلق أو يخلق فيهم عداوة بعضهم لبعض، إما ذلك الوقت وهو وقت خطابهم أو وقت هبوطهم أو بعده، فعلى الأول: خبر محض، وعلى الثانى: حال مقارنة، وعلى الثالث: حال مقدرة. (فإن قلت): إذا اختلف معنى الحال ومعنى الصفة فكيف قال المصنف: إنها بمعنى الصفة، وإذا كانت الحال محكوما بها والصفة غير محكوم بها فالوجه الأول ينافى الثانى؟
(قلت): يريد أنها كالصفة فى المعنى الذى اشتركت الصفة والحال فيه، وهو أنهما حكم بأمر مقيد، وذكر فى الإيضاح وجها ثالثا وهو أن إعراب الحال ليس إعرابا تبعيا، وما ليس إعرابه تبعيا لا تدخله الواو، وهذه الواو وإن كانت تسمى واو الحال فأصلها العطف، وقد أورد على قوله: إن كل ما ليس إعرابه تبعيا لا تدخله الواو: أن الجملتين اللتين بينهما توسط الانقطاع والاتصال ليس إعرابهما تبعيا، ومع ذلك تعطف إحداهما على الأخرى، وأن التوابع غير العطف إعرابها تبعى ولا تدخلها الواو. (قلت):
الجملتان إن فرض أن لا محل لهما من الإعراب فلا يقال: إعرابهما غير تبعى؛ لأنهما لا إعراب لهما وإن فرض أن لهما محلا، مثل: زيد يقوم ويقعد، فإعراب الثانية تبعى؛ لأن الأولى هى الخبر والسؤال الثانى إنما أورده على العكس لا على الطرد ثم لا يرد، فإنه إنما يريد تبعية عطف النسق. (قوله: لكن خولف) أى: خولف هذا الأصل فدخلت
الواو إذا كانت الحال جملة، فإنها إذا نظر إليها من حيث كونها جملة تكون مستقلة بنفسها متجردة لإفادة معناها فاحتيج إلى الواو؛ لتربطها بصاحبها، ولقائل أن يقول:
إنما يعدل عن الأصل لضرورة ولا ضرورة؛ لأنه يمكن ارتباطها بصاحبها بالضمير.