للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(قلت): ليت شعرى كيف يكون تقريب الفعل من الحال يصحح وقوعه حالا والفرض أن المصنف لا يجعل مضمون الفعل الماضى واقعا مع الحال؟ فإذا لم يكن واقعا فماذا يجدى قربه؟ وكأنه لاحظ أنه لما قرب من وقت العامل فى الحال صار كأنه واقع وهذا لا يجدى شيئا؛ لأن العقل قاض بأن الحال لا بد من مقارنتها فالصواب ما قدمناه من أن قولنا: جاء زيد وقد ضرب عمرا، أن معناه اقتران الضرب بالمجئ أو اقتران الوصف السابق بالضرب، ثم يلزم أن تكون هذه حالا مقدرة وليس كذلك، وما ذكرناه من احتمال جاء زيد وقد ضرب لأن يكون الضرب موجودا مع المجئ أو سابقا عليه، والمقارن هو الوصف قريب من احتمالين ذكرهما الوالد - رحمه الله - فى قولك: كان زيد قد قام، هل معناه كان أمس قد قام أمس، أو كان أمس قد قام قبله، واختار الأول، والله أعلم.

وما ذكره المصنف من اشتراط قد ظاهرة أو مقدرة هو أحد قولين. ونقل شيخنا أبو حيان عن الجمهور، وعن الكوفيين، والأخفش أن قد لا تقدر بل قد يخلو اللفظ منها لفظا وتقديرا كقوله تعالى: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ (١) وقوله تعالى: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا (٢) وقال: إنه الصحيح ثم يستثنى مما ذكره قولهم: لأضربن زيدا ذهب أو مكث فلا تدخل عليه الواو ولا قد، ويستثنى من قوله: إن قد تدخل ما إذا كان الماضى أداة نفى وهو" ليس" فلا تدخل عليه

قد، ولا يستوى فيه الأمران بل يترجح ذكر الواو، وهى كما سبق واردة على قوله: إن الفعل دال على الحصول لأنها لا تدل على حدث إلا أن يقال: هى دالة على حصول خبرها، هذا حكم المثبت الماضى لفظا ومعنى أو معنى لا لفظا، وأما الماضى لفظا لا معنى فقد دخل فى كلامه، ولا تكاد تجد له مثالا، والظاهر أنه فاسد؛ لأنه إذا كان ماضيا لفظا فقط كان للاستقبال فلا يصح؛ لأن الحال لا يصح أن يراد بها الاستقبال إلا فى المقدرة أو للحال فى الإنشاء، والإنشاء لا يقع حالا، وإن سلمنا صحة ذلك امتنعت الواو فيه كقولهم: لأضربنه ذهب أو مكث. فإنهم قالوا: معناه ذاهبا أو ماكثا، فكأنهم أرادوا وهو ذاهب أو ماكث.


(١) سورة النساء: ٩٠.
(٢) سورة يوسف: ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>