من حيث كونه إضافيا، لا من حيث ذاته. كما أن الأقل إضافى للأكثر يتوقف تعقل أحدهما على تعقل الآخر. وقد تعلم حقيقة الشئ الذى هو أكثر من حيث جنسه وفصله، وإن لم تعلم أكثريته. ثم إن الكبرى ممنوعة لأن كلام الأوساط قد يخلو من الإيجاز والإطناب.
وأجيب عن الثانى: بأن كلام الأوساط معروف؛ لأنه الذى يؤدى به أصل المراد بالمطابقة من غير اعتبار مقتضى الحال، بل يكون صحيح الإعراب.
وأجيب عن الثالث: بأن السكاكى يشير بما ذكره فى الاختصار إلى تفاوت مراتب الإيجاز فى المواد الجزئية؛ لكونه أبسط، أو لا.
فإنه قد يكون أبسط باعتبار أصل جزئى، وغير أبسط باعتبار أصل آخر، فلا يلزم من كونه أبسط باعتبار أصل دونه، أن لا يكون إيجازا باعتبار متعارف الأوساط.
فالإيجاز: يطلق على ما هو أقل من عبارة الأوساط مطلقا، ويطلق على ما هو أخص منه وهو الأول، وعبارة الأوساط بالنسبة إلى كلام دون كلام، فإنه قد يوصف الكلام بالإطناب والإيجاز، معا باعتبار أصلين كما يأتى فى كلام المصنف، كقوله تعالى: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي (١) فيه إيجاز بالنسبة إلى يا رب، إنى وهنت عظام بدنى، وإطناب بالنسبة إلى رب إنى ضعفت. وجعلوا منه: نعم الرجل زيد، فإن فيه إطنابا بالنسبة إلى نعم زيد، وإيجازا بالنسبة إلى نعم الرجل هو زيد. (قلت): ومن هذا المثال يعلم أن الإيجاز قد يكون بأصل وضع اللغة، وبالحذف الواجب؛ فإن نعم الرجل هو زيد، لا يجوز إذا جعلنا هو مبتدأ؛ لأنه حينئذ واجب الحذف؛ فعلم أن الإيجاز أعم من الجائز والواجب.
بقى على السكاكى والمصنف اعتراض، وهو أن كلام أهل العرف إذا كان رتبة وسطى بين الإيجاز والإطناب، فإما أن يكون هو المساواة، أو لا. فإن كان هو المساواة، فهى محمودة إذا طابقت مقتضى الحال، ومذمومة إذا لم تطابقه؛ لأن كل ما خرج عن البلاغة التحق بأصوات البهائم كما سبق، فكيف يقول المصنف: إن كلام الأوساط لا
يحمد ولا يذم؟ والعجب أن الخطيبى جعل قوله: إن ما خرج عن ذلك التحق بأصوات البهائم مصححا لكلامه، لا مفسدا.