بقلة حروف ما يناظره منه، والنصّ على المطلوب (١)، وما يفيده تنكير (حياة) من التعظيم؛ لمنعه عمّا كانوا عليه من قتل جماعة بواحد، أو النوعيّة الحاصلة للمقتول والقاتل بالارتداع،
ــ
الأول: أن ما يناظره من كلامهم وهو قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ أقل حروفا من كلامهم، فإن حروفه عشرة. وقول الخطيبى: إن التنوين حرف، فيكون أحد عشر، ليس بجيد؛ لأن التنوين إنما يأتى إذا وصلت بما بعدها، والكلام فيها وحدها موقوفا عليها. ولو قرئت موصولة، فالمقصود من نقصان حروفها حاصل، فإن: القتل أنفى للقتل حروفه أربعة عشر، ووقع فى كلام الإمام فخر الدين فى نهاية الإيجاز، وكلام العسكرى فى الصناعتين أن الذى يؤدى معنى كلامهم فى الآية الكريمة، قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ وفيه نظر؛ لأن القصاص حياة مخالف معنى لما تضمنه الآية الكريمة، من جعل القصاص ظرفا للحياة.
فالصواب أن يقال: فى القصاص حياة. (ثم أقول): فى ذلك من أصله نظر؛ لأن الإيجاز بتقليل الحروف بالنسبة إلى كلام آخر، ليس مما نحن فيه، بل هو نوع أفرده المصنف فى الذكر آخر الباب. ونحن إنما نتكلم فى هذا الباب على كلامين متساويى المعنى، أحدهما أقل حروفا من الآخر. وإنما الآية وهذا الكلام بينهما تفاوت فى المعنى، كما ستراه وقولهم: إنه يمكن فى قولهم ما هو أوجز منه، وهو أن يقال: القتل أنفى له ليس بصحيح؛ لأنه يصير معناه القتل قصاصا أنفى للقتل قصاصا، وهو فاسد.
الثانى: النص على المطلوب الذى هو الحياة، فيكون أزجر عن القتل العدوان.
الثالث: أن تنكير حياة، يفيد تعظيما لمنعهم عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحد. أو النوعية أى الحاصلة للمقتول، أى: بالكف عنه والقاتل بانكفافه. وقولنا: يفيد تعظيما أو نوعية، ليس معناه تقدير موصول محذوف، كما قاله الطيبى وقد تقدم الكلام عليه فى التنكير.
الرابع: اطراده، فإنه ليس كل قتل ينفى القتل بخلاف القصاص، فإنه فيه حياة أبدا.
(قلت): هذا إن كانت الأداة فى القصاص جنسية، فإن كانت للشمول، فليس صحيحا؛ لأن عدم اطراده يكذبه.