(تنبيه): قالوا: التنافر يكون إما لتباعد الحروف جدا، أو لتقاربها، فإنها كالطفرة، والمشى فى القيد، ونقله الخفاجى عن الخليل بن أحمد، ورأى أنه لا تنافر فى القرب وإن أفرط، ويشهد له أن لنا ألفاظا متقاربة حسنة، كلفظ الشجر والجيش والفم، ومتباعدة قبيحة مثل: ملع إذا أسرع، ويرد على من جعل القرب والبعد موجبين للتنافر، أن نحو الفم حسن مع تقارب حروفه، وقد يوجد البعد ولا تنافر مثل:(علم)، ومثل:(البعد)، فإن الباء من الشفتين والعين من الحلق، وهو حسن، وأو غير متنافرة مع أن الواو بعيدة من الهمزة، وكذلك (ألم) متباعدة، وكذلك (أمر) ولا تنافر، والحق فى الجواب عن ذلك أن المدعى إنما هو الغلبة - كما هو شأن العلامات - لا اللزوم، ويشبه استواء تقارب الحروف وتباعدها فى تحصيل التنافر استواء المثلين اللذين هما فى غاية الوفاق والضدين اللذين هما فى غاية الخلاف فى كون كل من الضدين والمثلين لا يجتمع مع الآخر فلا يجتمع المثلان؛ لشدة تقاربهما، وكما يقال العداوة فى الأقارب، ولا الضدان؛ لشدة تباعدهما، وحيث دار الحال بين الحروف المتباعدة والمتقاربة، فالمتباعدة أخف حتى جعل جماعة تباعد مخارج الحروف من صفات الحسن، ونقله ابن الأثير فى كنز البلاغة عن علماء البيان، وقال الخفاجى: إنه شرط للفصاحة ورد عليه فى المثل السائر بأنا نعلم الفصاحة قبل العلم بالمخارج وهو ضعيف؛ لأنه لم يجعل العلة العلم بتباعد المخارج، بل نفس التباعد، وذلك مدرك لكل سامع، ثم قالوا: إن كلام العرب ثلاثة أقسام: أغلبه ما تركب من الحروف المتباعدة، ويليه تضعيف الحرف نفسه، وأقله المركب من الحروف المتجاورة فهو بين مهمل وقليل جدا، وإنما كان أقل من المتماثلين، وإن كان فيهما ما فى المتقاربين وزيادة؛ لأن المتماثلين يخفان بالإدغام. قال ابن جنى فى آخر سر الصناعة: التأليف ثلاثة أضرب: أحدها: تأليف الحروف المتباعدة، وهو الأحسن، الثانى: تضعيف الحرف نفسه، وهو يلى الأول فى الحسن، وتليهما الحروف المتقاربة فإما رفض وإما قل استعماله، ولذلك لما أرادت بنو تميم إسكان عين معهم، كرهوا ذلك فأبدلوا الحرفين حاءين، فقالوا: محم؛ فرأوا ذلك أسهل من الحرفين المتقاربين. ثم قال: والتضعيف واحتمال الحروف المكروهة والاعتلال بأواخر الحروف أولى منها بأوله.