الثالث: أن المصنف بعد أسطر يسيرة فى الإيضاح أنكر أن يكون الجواب المصاحب لقد جوابا كما ستراه.
(تنبيه): قال الزمخشرى بعد تجويزه أن يكون التقدير: فانفجرت، أو فإن ضربت فقد انفجرت. وهى على هذا فاء فصيحة، لا تقع إلا فى كلام بليغ.
(قلت): والفاء الفصيحة هى الدالة على محذوف قبلها، هو سبب لما بعدها. سميت فصيحة؛ لإفصاحها عما قبلها. وقيل: لأنها تدل على فصاحة المتكلم بها، فوصفت بالفصاحة على الإسناد المجازى، ونسب الطيبى هذا إلى الحواشى المنسوبة إلى الزمخشرى. واختلفوا: هل شرط ذلك المحذوف ألا يكون شرطا، حتى تكون هى عاطفة لا جزائية أو لا؟ فاشترط الطيبى فيها ذلك، وقال: إن كلام صاحب المفتاح يشعر به، وأنه يعضده قول الزمخشرى: إنها لا تقع إلا فى كلام بليغ، وفاء الجزاء يكثر وقوعها فى الكلام العامى.
(قلت): ليس فى المفتاح ما يشعر بما ذكره، نهايته أنه ذكر أن التقدير: فضرب، وقال: إن الفاء فصيحة، ولم يذكر تقدير الشرط بالكلية، فضلا عن أن يقول: إنها تكون حينئذ فصيحة أو لا.
وقوله: أنه يعضده قوله: لا تقع إلا فى كلام بليغ فيه نظر؛ لأنها على التقديرين لا تقع إلا فى كلام بليغ، فالبلاغة فيه من جهة حذف جملة سابقة شرطية كانت، أو غيرها؛ والإشعار بأن المأمور لم يتوقف عن امتثال الأمر، فكان
المطلوب الانفجار لا الضرب. ثم قول الزمخشرى على هذا ظاهره العود إلى تقدير الشرط ولا حاجة إلى تأويله وإعادته إلى الأول. والأحسن أن يجعله عائدا إلى ما سبق من مطلق التقدير، ليصلح للتقديرين معا، فقد تبين أن الفاء هذه فصيحة على التقديرين، على ما تراه عاطفة فيها معنى السببية على القول الأول، جزائية على الثانى. وعلى ما قاله الطيبى فصيحة على الأول لا الثانى. ومما يدل لما قلناه من أن الزمخشرى، لم يشترط فى الفاء الفصيحة أن لا يكون المقدر قبلها شرطا، أنه قال فى قوله تعالى: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ (١): وفيه معنى الشرط، أى: إن صح هذا فقد