(تنبيه): من تأمل ما سبق علم أن الإيجاز ليس من شرطه إمكان المساواة، فيكون جائزا، بل قد يكون واجبا بحيث لا يجوز خلافه. فهو حينئذ قسمان: قسم مفوض إلى المستعمل، وقسم هو من أصل الوضع، وهو أن يوضع الكلام على اقتصار وحذف مثل المبتدآت التى يجب حذفها، وغير ذلك مما هو واجب الحذف، كالعامل فى الإغراء والتحذير، وفى مصدر بدل من اللفظ بفعله، والخبر فى باب نعم وبئس على أحد الأقوال، وفى خبر المبتدأ بعد لولا غالبا وغير ذلك.
(تنبيه): واعلم أن الذى ذكر المصنف من تقسيم الإيجاز إلى إيجاز قصر وإيجاز حذف، وتقسيم تقليل اللفظ إلى إخلال وغيره، وتقسيم زيادته إلى تطويل وغيره، تبع فيه جميعه الرمانى. قال الرمانى: والإيجاز على ثلاثة أوجه: الإيجاز بسلوك الطريق الأقرب دون الأبعد، والإيجاز باعتماد الغرض دون سعة، ومن الإيجاز بإظهار الفائدة ما يستحسن دون ما يستقبح. ثم قال: الإيجاز: تهذيب الكلام بما يحسن به البيان، والإيجاز: تصفية الألفاظ من الكدر، والإيجاز: إظهار المعنى الكثير باللفظ اليسير.
قال عبد اللطيف البغدادى فى قوانين البلاغة: إنه يوافقه فى المعنى لا فى اللفظ وقال: هى ستة أزواج متقابلة، البسط وهو يعبر بقول عما يمكن أن يعبر عنه باسم، أو بقول كثير الأجزاء عما يمكن أن يعبر عنه بقول قليلها، ويقابله القبض وهو عكس ذلك والاختصار وهو أن يقتصر من أشياء يقصد التعبير عنها، على ما إذا صرح بلفظ فهم به
الباقى. ويقابله: التطويل، وهو أن يصرح بجميع الألفاظ التى يلزم بعضها بعضا، أو يذكر بعضها ببعض، والإجمال: وهو أن يعبر عن الأشياء الكثيرة باسم جنسها، ويقابله التفصيل، وهو أن يذكر تلك الأشياء واحدا واحدا. والتكرير: إما بإعادة اللفظ بعينه، أو بلفظ مرادف للأول، أو يذكر مبسوطا مرة، ومقبوضا أخرى. أو يذكر مجملا مرة، ومفصلا أخرى. ويقابله الإفراد والإضمار أن يسكت عن أشياء اتكالا على أن السامع يأتى بها من قبل نفسه، ويضيفها إلى التى نطق بها القائل؛ لوضوحها أو لقرينة حالية. والفرق بينه وبين الاختصار: أن الذى ينبه على الشئ فى الاختصار، هو شئ من نفس القول، والمنبه فى الإضمار شئ من خارج، والتصريح عكسه.
والإيجاز: الاقتصار على المعانى الضرورية فى بلوغ الغرض، وعلى أقل ألفاظها الدالة عليها عددا. والتذييل: أن يضيف إلى المعانى الضرورية سائر الأشياء التابعة للتزيين والتفخيم.