للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأدلته كثيرة:

منها: أن يدل العقل عليه، والمقصود الأظهر على تعيين المحذوف؛ نحو:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (١).

ــ

ص: (وأدلته كثيرة إلى آخره).

(ش): لما كان الحذف لا يجوز إلا لدليل، احتاج إلى ذكر أدلته؛ ليعلم أنه لا بد للحذف من أحدها. فإن قلت: قد قسم النحاة الحذف إلى حذف اقتصار، وحذف اختصار، وفسروا الحذف اقتصارا: بأن يحذف لا لدليل. فقد أثبتوا حذفا لا لدليل.

(قلت): هى عبارة مختلة أو اصطلاح لا مشاحة فيه، والحق أنه لا حذف فيه إذا ثبت ذلك، فالدليل تارة يدل على محذوف مطلق، وتارة على محذوف معين. فمنها العقل إذا دل على أصل الحذف من غير دلالة على تعيينه، بل يستفاد التعيين من دليل آخر، كقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ فإن العقل يدل على أنها ليست المحرمة؛ لأن التحريم لا يضاف إلى الأجرام، فتعين حذف شئ. (قلت): وقد تقدم أنه ينقل عن الحنفية أنهم يرون أن التحريم والتحليل يضافان إلى الذوات، وأما تعيين ذلك المحذوف وأنه التناول، فاستفيد من دليل آخر، وهو أن التناول هو المقصود الأظهر، أى: الأغلب فى الميتة إرادة أكلها، وكذلك: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ (٢) فى إرادة النكاح، وهذا الذى قاله بناء على مذهب الجمهور. أما من جعله مجملا، فلا ظهور، ولا تعيين، إلا بدليل خارجى. وأما من قال: الميتة عبر بها عن أكلها، فلا حذف.

(قلت): وفيما قاله المصنف نظر من وجهين:

أحدهما: أن الدليل المسوغ للحذف لا بد أن يكون دليلا على تعيين المحذوف، إما لفظيا كالمعين، أو خارجيا كما فى المجمل، لا على أصل الحذف. فإن أراد أن العقل دل على أصل الحذف، فليس ذلك دليلا مسوغا للحذف، إلا لغرض الإبهام.

وإن أراد أن العقل دل على أصل الحذف، والظهور دل على تعيينه. فالدال حينئذ على المحذوف المعين، وهو الظهور فالأولى أن يقال: ظهور إرادة المحذوف دليل عليه. وتارة يجوز العقل مع ذلك إرادة المنطوق به، وتارة لا يجوز بأن يدل العقل على استحالة إرادته.


(١) سورة المائدة: ٣.
(٢) سورة النساء: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>