للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنها: أن يدل العقل عليهما؛ نحو: وَجاءَ رَبُّكَ (١) أى: أمره أو عذابه (٢).

ــ

الثانى: أن قوله: أدلته كثيرة منها أن يدل العقل لا يصح؛ لأن يدل العقل ينحل إلى دلالة العقل، فكأنه قال: أدلته الدلالة، وهو فاسد. وتأويله: إما بأن يؤول الأدلة على الدلالات وهو الأولى، أو يؤول: أن يدل بالدلالة التى بمعنى الفاعل، كما هو قول فى: عسى زيد أن يقوم. كما يؤول الموصول الحرفى وصلته بالمصدر، بمعنى المفعول فى قول ضعيف، ذكره جماعة فى قوله سبحانه: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وقوله سبحانه: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ (٤) ويقرب مما نحن فيه، قولك: زيد أكرم على من أن أضربه. نقل الشيخ أبو حيان فى تذكرته، عن صاحب البديع، أن" أن" فيه بمعنى الذى، وفيه نظر؛ لأن" أن" لا تكون بمعنى الذى، ولأنه كان يلزم أن يقول: أنا أكرم على زيد من أن أضربه.

ونقل الشيخ أبو حيان عن بهرمان أن هذا وقع جوابا لمن قال: أنت تريد أن تضربنى، فمعناه: أنت أكرم على ممن يقدر فى نفسه ذلك. انتهى.

وصحة قولك: أنا أكرم على زيد من أن أضربه، يشهد لها مع كثرة الاستعمال.

وذكر سيبويه لها فى كتابه، قوله صلّى الله عليه وسلّم:" أنا أكرم على الله من أن يعذبنى بذات الجنب" ثم قال: ومنها - أى من أدلة الحذف - أن يدل العقل عليهما أى: على الحذف والتعيين، نحو: قوله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ أى: أمره، أو عذابه؛ لأن العقل دل على أصل الحذف لاستحالة مجئ البارى - سبحانه وتعالى - عقلا، فإن ذلك يستلزم الجسمية، ودل العقل أيضا على التعيين، وهو الأمر أو العذاب. (قلت:) فإذا كان محتملا لهما، فأين التعيين؟ إلا أن

يكون أراد بقوله: الأمر الذى بمعنى العذاب، أو العذاب، وذلك اختلاف فى العبارة فقط، لا فى المعنى.


(١) سورة الفجر: ٢٢.
(٢) قوله: أى: أمره أو عذابه فيه نظر، فإن السلف لا يرون هذا التأويل، بل يثبتون لله صفة المجئ بمقتضى ظاهر هذه الآيات، ولا يوجب العقل الصريح هذا التأويل الذى ذكروه، وانظر: مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم - رحمه الله - فقد أجاب عن تأويل الفرق الكلامية لصفة المجئ وغيرها، فى حديثه عن كسر طاغوت المجاز خ خ.
(٣) سورة البقرة: ٣.
(٤) سورة يونس: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>