للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنها: أن يدل العقل عليته، والعادة على التعيين؛ نحو: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (١)، فإنه يحتمل فى حبه خ خ؛ لقوله تعالى: قَدْ شَغَفَها حُبًّا (٢). وفى مراودته خ خ؛ لقوله تعالى: تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ (٣)، وفى شأنه حتى يشملهما، والعادة دلت على الثانى؛ لأن الحب المفرط لا يلام صاحبه عليه فى العادة؛ لقهره إياه.

ــ

واعلم أن الزمخشرى قال: إن هذه الآية الكريمة تمثيل. مثلت حاله - سبحانه - فى القهر، بحال الملك إذا حضر بنفسه. فعلى هذا لا حذف فى الآية الكريمة وإن أراد التعيين فيهما، بمعنى عدم الثالث، فذلك ليس بتعيين، ثم هو ممنوع؛ لأن العقل لا ينفى تقدير عباد ربك أو جنود ربك، وغير ذلك فهذا كالقسم الأول.

ومنها أن يدل العقل على أصل الحذف، وتدل العادة على تعيين المحذوف، كقوله سبحانه: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ العقل دل على أنه لا بد من محذوف؛ لأن الشخص لا يلام إلا على الفعل. واحتمل أن يكون التقدير فى حبه لأجل: شَغَفَها حُبًّا أو فى مراودته لأجل تُراوِدُ فَتاها وأن يكون فى شأنه وأمره، والعادة دلت على إرادة المراودة لأن الإنسان لا يلام على الحب المفرط، لأنه يقهر صاحبه، إنما يلام على المراودة التى يقدر على دفعها.

(قلت): كلامه متهافت؛ لأنه قال: العقل دل على الحذف، لأن الإنسان لا يلام إلا على ما هو من كسبه، ثم جعله محتملا لثلاثة أمور - أى يجوزها العقل - منها: إرادة الحب، ثم قال: إن الحب ليس من الكسب، فيلزم أن يكون احتمال الحب منفيا عقلا.

ثم إنه جوز أن يكون المراد الحب والمراودة، أو الأمر المطلق، وأقام الدليل على عدم إرادة الحب، فأثبت المراودة، وقد نفى الاحتمال الآخر، وهو إرادة الأمر الذى يشملها، فلم يذكر ما يدفعه. وهذا الاحتمال يرجحه القول الذاهب

إلى أن المقتضى عام، وهو أحد قولى الشافعى، ومنصوصه فى الأم وإن كان مرجوحا عند الأصوليين. ومنها العادة بأن تدل على أصل المحذوف، وعلى التعيين، وذلك بأن يكون العقل غير مانع من إجراء اللفظ على ظاهره من غير حذف، كقوله سبحانه: لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ (٤) أى:

مكان قتال، والمراد مكانا صالحا للقتال. وإنما كان كذلك لأنهم كانوا أخبر الناس بالقتال، والعادة تمنع أن يريدوا: لو نعلم حقيقة القتال؛ فلذلك قدره


(١) سورة يوسف: ٣٢.
(٢) سورة يوسف: ٣٠.
(٣) سورة يوسف: ٣٠.
(٤) سورة آل عمران: ١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>